حسن الهاشمي
قسم المتكلمون صفاته سبحانه إلى الصفات الذاتية والصفات الفعلية، والأول ما يكفي في وصف الذات به، فرض نفس الذات فحسب، كالقدرة والحياة والعلم، والثاني ما يتوقف توصيف الذات به على فرض الغير وراء الذات وهو فعله سبحانه، فصفات الفعل هي المنتزعة من مقام الفعل، بمعنى أن الذات توصف بهذه الصفات عند ملاحظتها مع الفعل، وذلك كالخلق والرزق ونظائرهما من الصفات الفعلية الزائدة على الذات بحكم انتزاعها من مقام الفعل، ومعنى انتزاعها، أنا إذ نلاحظ النعم التي يتنعم بها الناس، وننسبها إلى الله سبحانه، نسميها رزقا رزقة الله سبحانه، فهو رزاق، ومثل ذلك الرحمة والمغفرة فهما يطلقان عليه على الوجه الذي بيناه.
وهناك تعريف آخر لتمييز صفات الذات عن صفات الفعل وهو أن كل ما يجري على الذات على نسق واحد (الإثبات دائما) فهو من صفات الذات، وأما ما يجري على الذات على الوجهين، بالسلب تارة وبالإيجاب أخرى، فهو من صفات الأفعال.
وعلى ضوء هذا الفرق فالعلم والقدرة والحياة لا تحمل عليه سبحانه إلا على وجه واحد وهو الايجاب، ولكن الخلق والرزق والمغفرة والرحمة تحمل عليه بالإيجاب تارة والسلب أخرى، فتقول خلق هذا ولم يخلق ذلك، غفر للمستغفر ولم يغفر للمصر على الذنب وهكذا.
ومن هنا نعلم إن سلب الارادة عنه سبحانه في قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ). (البقرة : 185) وهو من الصفات الفعلية، وكذا سلب الكلام عنه سبحانه في قوله تعالى: (وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). (ال عمران / 77) وهو كذلك من الصفات الفعلية.
والملاحظ هنا إن سلب الارادة والكلام التي هي من الصفات الفعلية لله تعالى تكون منصبة لمصلحة العباد، فالله تعالى لا يريد الضرر والعسر بالعباد، بل يريد لهم الخير واليسر، أما الذي لا يلتزم بما اراده الله تعالى من سبل الخير بل انتهج سبل الشر، فإن الله تعالى لا يكلمه ولا يرحمه ولا يتوجه إليه يوم القيامة بسبب انتخابه هو طريق الشر، وعدم الكلام هنا منصب على اختيار الانسان ونتيجته الحتمية تكون العذاب الأليم في نار جهنم والابتعاد عن رحمته تعالى وهو أشد وأخزى من أي عذاب آخر، وإلا اذا ما انتخب الانسان الصالح طريق الخير والاحسان فإن الله تعالى يتكلم معه ويشمله بلطفه ورحمته ويكون مصيره الجنة ورضوان من الله أكبر.
حتى الصفات الذاتية من العلم والقدرة والحياة والتي تمخضت في خلق السماوات والارض وما بينهما من مخلوقات عجيبة وغريبة، كلها جاءت من أجل أن يرتقي الانسان سلم الكمال، وذلك بانتهاجه نهج الفطرة السليمة واتباعه الأنبياء والأوصياء واسترشاده بالعقل السليم الذي يرشد إلى طرق الهدى، وما انثيال وتكالب المجرمين والمنحرفين على طرائق الباطل والشيطان إلا انحراف عن جادة الفطرة والعقل والاصلاح الذي خطه الأنبياء، لإنقاذ العباد من الجهالة وحيرة الضلالة إلى واحة الايمان وحياض التوحيد وأديم المعارف والمعالم والكمالات، يقول ربنا سبحانه وتعالى في حديث قدسي: عبدي خلقت الأشياء من أجلك فلا تتعب، وخلقتك لعبادتي فلا تلعب، عبدي أنا لك محب فبحقي عليك كن لي محباً، عبدي أطلبني تجدني، فإن وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء.
فهذا الحديث الشريف يبين بوضوح الصفات الذاتية لله تعالى من عبارة (خلقت الأشياء من أجلك) التي تتطلب العلم والقدرة والحياة، وكذلك يبين الصفات الفعلية لله تعالى من (وخلقتك لعبادتي فلا تلعب) وما بعدها، فإن فيها إرادة الايجاب للمحبين الطائعين لله تعالى وارادة السلب للعاصين لله تعالى، وكلا الإرادتين ضمن الصفات الفعلية لله تعالى، والانسان يحصل من خلال ارادة الايجاب على المحبة والقرب الإلهي، ويحصد من خلال ارادة السلب على السخط والبعد الإلهي، فالصفات الذاتية والفعلية في متناول الجميع، والإنسان باختياره هو الذي يحدد مصيره هل إنه من أهل النعيم أم من أهل الجحيم، تماشيا مع القاعدة القرآنية الكريمة التي تقول: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا). (سورة الانسان - الآية 3).
https://telegram.me/buratha