إبتكرت الباحثة الألمانية "إليزابيث نويله – نويمان" نظرية مثيرة للجدل في الإعلام؛ النظرية تتلخص بأن الأغلبية يلوذون بالصمت؛ خشية الاضطــهاد وخوفاً من العـــزلة الاجتماعية، إذا ما أفصحوا عن آرائهم المعارضة للاتجـــاه الســائد، الذي تفـــرضه وســائل الاعــلام.
الأغلبية الصامتة كما تعتقد نويمان، موجودة تحت ظل كل الأنظمة الحاكمة، في الأنظمة الديكتاتورية يستبد الحاكم مستعينا بهراوات البوليس، وأدوات القمع والتنكيل التي يجيد إستخدامها كل المستبدين والطغاة، ويتوارثونها جيلا بعد جيل بعد تطويرها وتنميتها، مبتكرين دوما أساليب جديدة..
هنا في العراق جربت معنا أساليب لم تجرب مع غيرنا: تجفيف الأهوار، القصف الكيماوي لحلبجة، تهجير الكورد الفيليين وإلقائهم في العراء، بعد مصادرة أملاكهم، سحب الجنسية، أحواض التيزاب، معاقبة مدن بأكملها، كما حصل مع كربلاء والدجيل..والأمثلة أكثر من أن تحصى!
معظم ضحايا الأنظمة الإستبدادية، هم من الأغلبية الصامتة، وليسوا من معارضيه! فالمعارضين يتحسبون لبطش الديكتاتور وزبانيته، ويمكنهم أن يفلتوا، إلا أن الأغلبية الصامتة تعتقد أنها لم تفعل شيئا يغضب المستبد، ولذلك تتصرف بحسن نية، ولكنها تقدم نفسها قرابين لغضبه بحسن نية أيضا!
الصمت هو مصدر اللذة والمتعة الوحيد لدى الأكثرية الصامتة، لكن الحقيقة هي أنهم ليسوا صامتين بلا حراك، إذ أنك تشعر بهم متراصين بعضهم الى بعض، طلبا لدفء يوفره القطيع الذي ينتمون اليه، تحس بأنفاسهم تصعد من صدورهم، ترى عيونهم توشك أن تخرج من محاجرها، يشتكون بهمس أقرب الى الصمت، لا يرفعون أصواتهم رفضا أو قبولا، ولكنك لا تراهم كأفعال وتصرفات ترفض القبيح، لكنهم يحشرون أجسادهم كل ليلة في أسرتهم بين أسرهم، ينتظرون التغيير، مرددين يا ستار!
في الأنظمة الديمقراطية إستبدل الحاكم الديمقراطي، هراوات البوليس ورصاص الجند بوسائل الإعلام، كأدوات لتحقيق نفس غايات المستبد الديكتاتور، المتمثلة بالسيطرة التامة على مقاليد الحكم، المستبد ولغبائه يصل الى أهدافه بالقمع والتنكيل والإضطهاد، والديمقراطي يصلها عبر وسائل قمع وإضطهاد ناعمة!
في قمع المستبد وقمع الديمقراطي ثمة نقاط لصالح الديمقراطي، الأول ينام خائفا من تغيير ربما يحدث من داخل بيت الطغيان، والديمقراطي ينام مطمئنا الى أنه أجاد الضحك على الذقون!
مهارات المستبد تقوده دوما الى خارج السلطة، ملاحقا مختبئا، ولذلك ينتهي أغلب المستبدين نهايات غير سعيدة بالنسبة لهم، فيما مهارات الديمقراطي تبقيه في السلطة، وحتى إذا خرج منها، فإنه يخرج كالشعرة من العجين، لأنه رتب أوضاعه مع من سيأتي من بعدهن بإتفاق ضمني غير معلن: أسكت عني فأسكت عنك!
كلام قبل السلام: بعض البشر مجـرد أفواه ناطقة، ينتقدون ويذمـون ولا شيء فوق ذلك، ولاشيء تحته، لا شيء قبله، لا شيء بعده!
سلام...
https://telegram.me/buratha