محمد الموسوي
في التاسع من شهر نيسان من كل عام يتذكر العراقيون هذا اليوم من ناحيتين منها حزن ومنها فرح , وذكرى الحزن تعود في كل عام مفعمة بالحزن وعطر الشهادة، ذكرى استشهاد قائدٍ مصلحٍ وقائد وعيٍ نذر نفسه من أجل المبادىء السامية، من أجل الأمة، من أجل الشعب العراقي تشاطره أخته العلوية الطاهرة آمنة الصدر(بنت الهدى)، وتزامن مع هذه فرحة كبرى بذكرى سقوط نظام البعث الكافر وسقوط الطاغية المقبور, كما تنبأ له الشهيد آية الله العظمى محمد باقر الصدر(حين قال للمقبور صدام: قتلي سيكلفك نظامك وسيسقط في يوم قتلي)، ذكرى الرجل الذي إنتهج نهج العزة والكرامة، والوعي والحركة الإسلامية، والثورة على المستكبرين.الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر كان حاضراً في كل قضايا الأمة وهمومها وحركتها وآمالها وطموحاتها، كان حاضراً بوجدانه ووعيه ودمه، لأن الأمة كانت حاضرة في وجدانه وحركته ووعيه ،وكان يعتبر ذلك مسؤوليته فهو (المرجع والقائد) ويجب أن يتحرك باتجاه الأمة قبل أن تتحرك الأمة باتجاهه. ولم يتبع المفهوم الذي كان سائداً والذي يقول :بأن العلماء هم المواقع الساكنة والناس يجب أن يتحركوا باتجاههم و يدوروا حولهم. لقد كان الشهيد الصدر يرى إن القائد يجب أن يتحرك باتجاه الأمة , والأمة أيضا لديها مسؤولية الحركة باتجاهه، فلقد كان الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم يتحرك ويعلم الناس ويرشدهم ويقودهم ويبشرهم وينذرهم ويبين لهم الطريق الصالح والمستقيم ، كما قال عنه الإمام علي عليه السلام (طبيب دوار بطبه قد أحسن مراهمه)، نعم كان حاضراً وهذا جزء من ندائه الأول عام 1979 بعد قيام سلطة البعث المباد بإعتقالات واسعة شملت الآلاف من أبناء الشعب العراقي حيث قال :(أيّها الشعب العراقي المسلم،إنّي أخاطبك - أيّها الشعب الحرّ الأبي الكريم - وأنا أشّدُّ إيماناً بكَ وبروحك الكبيرة، بتأريخك المجيد)، نعم كان مؤمناً بالأمة مؤمناً بالجماهير مؤمناً بالشعب العراقي وتاريخه وفي مقطع آخر من النداء يقول:( وإنّي أودّ أنْ أؤكّد لك - يا شعب آبائي وأجدادي - أنّي معَكَ وفي أعماقك، ولن أتخلّى عنك في محنتك وسأبذل آخر قطرة من دمي في سبيل الله من أجلك! وأودُّ أنْ أؤكد للمسؤولين: أنَّ هذا الكبت الذي فُرض بقوّة الحديد والنار على الشعب العراقيّ، فحرمَه من أبسط حقوقه وحرّياته في ممارسة شعائره الدينية لا يمكن أن يستمر، ولا يمكن أنْ يعالج دائماً بالقوّة والقمع.إنّ القوّة لو كانت علاجاً حاسماً دائماً لبقي الفراعنة والجبابرة) الشهيد محمد باقر الصدر كان في مواجهة سلطة البعث ثائراً على الظالمين ناذراً نفسه للشهادة من أجل شعب العراق والإنسانية، الأمة حاضرة في وجدانه فهل يحضر اليوم أو بالأحرى تحضره الأمة في وجدانها؟ أم أنه مازال في ضمير الأمة ولم تنسه؟. كان الصدر يعرف أنّ استشهاده لا بد أن يحصل ولا يمكن لسلطة البعث أن تترك هذا التحدّي الكبير من دون أن تقوم بعمل إنتقامي بمستوى الفعل الذي قام به الشهيد الصدر .
وفي ندائه الثاني يقول في أحد مقاطعه :(ولكنّ الجماهير دائماً هي أقوى من الطغاة مهما تفرعن الطغاة، وقد تصبر ولكنّها لا تستسلم، وهكذا فوجئ الطّغاة بأنّ الشعب لا يزال ينبض بالحياة، ولا تزال لديه القدرة على أن يقول كلمته! وهذا هو الذي جعلهم يبادرون إلى القيام بهذه الحملات الهائلة على عشرات الآلاف من المؤمنين والشرفاء من أبناء هذا البلد الكريم، وحملات السجن والاعتقال والتعذيب والإعدام، وفي طليعتهم العلماء المجاهدون الذين يبلغني أنّهم يستشهدون الواحد بعد الآخر تحت سياط التعذيب) وهذا يعطيناً دليلاً واضحاً على إيمان الشهيد الصدر بالشعب والجماهير المؤمنة، وما أراده رضوان الله تعالى عليه هو أن يتحرك القائد نحو الجماهير وتتحرك الجماهير باتجاهه وتلتف حوله لأنها أقوى من الطغاة ولا بد لها من أن تنتفض يوماً وتثور من أجل التغيير. وفي مقطع آخر من ندائه الثاني يقول:( وإنّي في الوقت الذي أدرك فيه عمق هذه المحنة التي تمرّ بكَ يا شعبي! يا شعب آبائي وأجدادي- أؤمن بأنّ استشهاد هؤلاء العلماء واستشهاد خيرة شبابك الطاهرين وأبنائك الغيارى تحت سياط العفالقة لن يزيدكَ إلّا صموداً وتصميماً على المضيّ في هذا الطريق، حتّى الشهادة أو النصر وأنا أعلن لكم - يا أبنائي - أنّي صَمَمّتُ على الشهادة! ولعلّ هذا آخر ما تسمعونه منّي، وإنّ أبواب الجنّة قد فتحت لتستقبل قوافل الشهداء حتّى يكتب الله لكم النّصر! وما ألذّ الشهادة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّها حسنة لا تضرّ معها سيّئة. والشهيد بشهادته يغسل كلّ ذنوبه مهما بلغت)، نعم آمن السيد محمد باقر الصدر بالشهادة وفاعليتها وتأثيرها في التغيير وبناء المستقبل وآمن وهو العارف بأن أول المضحين هم العلماء وأصحاب الفكر ، آمن بالشهادة والجنة قد فتحت أبوابها، إنه الفوز ورب الكعبة كما قالها الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في لحظة استشهاده.ثم يقول (فعلى كلّ مسلم في العراق وعلى كلّ عراقي في خارج العراق أن يعمل كلّ ما بوسعه - ولو كلّفه ذلك حياته - من أجل إدامة الجهاد والنضال لإزالة هذا الكابوس عن صدر العراق الحبيب وتحريره من العصابة اللا إنسانيّة وتوفير حكم صالح فذٍّ شريف يقوم على أساس الإسلام)، إنه عمل لا يقتصر على تضحية القائد العالم المفكر فقط ولابد للشعب أن يتحرك في هذا الإطار في داخل البلد وخارجه ولا بد إذن من التضحيات والتي تصل الى التضحية بالحياة من أجل الخلاص من عصابة البعث ونظامه المقيت.وبعد إستلام المجرم صدام للحكم عام 1979 أرادت سلطة البعث أن تحول حركة الشهيد الصدر الى إنها حركة طائفية، عندها قام الشهيد الصدر بإرسال ندائه الثالث الى الشعب العراقي (بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربّ ألعالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصَحبه الميامين.يا شعبي العراقي العزيز!أيّها الشّعب العظيم!إنّي أخاطبك في هذه اللحظة العصيبة من محنتك وحياتك الجهاديّة، بكلّ فئاتك وطوائفك: بعربكَ وأكرادك، بسنّتك وشعيتك، لأنّ المحنة لا تخصّ مذهباً دون آخر، ولا قوميّة دون أخرى، وكما أنّ المحنة هي محنة كلّ الشعب العراقي، فيجب أن يكون الموقف الجهاديّ والرّدّ البطوليّ والتلاحم النضالي هو واقع كلّ الشعب العراقي) إنه خطاب لكل الشعب لكل طوائفه ومذاهبه وقومياته، فالشهيد الصدر لم يكن في حسبانه أن يكون طائفياً ،إنه يؤمن بالآخر ويعرف أن المحنة هي محنة شعب بأكمله ولا تخص فئة دون أخرى.وفي مقطع آخر يقول :(ألا ترون أنّهم يمارسون أشدّ ألوان الظلم والطّغيان اتجاه كلّ فئات الشعب؟! ويزدادون يوماً بعد يوم حقداً على الشعب، وتفنّناً في إمتهان كرامته والانفصال عنه، والاعتصام ضدّه في مصيرهم المحاط بقوى الأمن والمخابرات، بينما كان عليّ وعمر يعيشان مع الناس وللناس وفي وسط الناس ومع آلامهم وآمالهم.ألا ترون إلى أحتكار هؤلاء للسلطة أحتكاراً عشائريّاً يسبغون عليه طابع الحزب زوراً وبهتاناً؟! وسدّ هؤلاء أبواب التقدّم أمام كلّ جماهير الشعب سوى أولئك الذين رضوا لأنفسهم بالذل والخنوع، وباعوا كرامتهم وتحوّلوا إلى عبيد أذِلاء)، إن الشهيد الصدر ينظر الى الإنسان وهمومه لا الى إنتمائه، ينظر الى هذا الشعب الصابر الذي سدت عليه سلطة البعث أبواب التقدم وراحت تلك السلطة الجائرة تمارس ألوان الظلم والعذاب وتمتهن كرامة الإنسان وتمارس الظلم ضد كل فئات الشعب العراقي إلا الذين ساروا في ركابهم والذين باعوا ضمائرهم لهم.لم يكن الصدر الشهيد طائفيا أبداً فها هو في هذا المقطع من ندائه الثالث يقول (يا إخواني وأبنائي من أبناء الموصل والبصرة .. من أبناء بغداد وكربلاء والنجف ... من أبناء سامرّاء والكاظميّة .. من أبناء العمارة والكوت والسليمانيّة .. من أبناء العراق في كلّ مكان، إنّي أعاهدكم بأنّي لكم جميعاً ومن أجلكم جميعاً، وأنّكم جميعاً هدفي في الحاضر والمستقبل .. فلتتوحّد كلمتكم، ولتتلاحم صفوفكم تحت راية الإسلام، ومن أجل إنقاذ العراق من كابوس هذه الفئة المتسلّطة، وبناء عراق حرّ كريم تغمره عدالة الإسلام وتسوده كرامة الإنسان، ويشعر فيه المواطنون جميعاً - على اختلاف قوميّاتهم ومذاهبهم - بأنّهم إخوة، يساهمون جميعاً في قيادة بلدهم وبناء وطنهم، وتحقيق مثلهم الإسلاميّة العليا المستمدّة من رسالتنا الإسلامية وفجر تاريخنا العظيم) إنه خطاب لكل العراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه. وجاء العام 1980 وبعد حصار طويل فرضه المقبور صدام وجلاوزته على الشهيد الصدر وفي ليل اليوم الخامس من نيسان إنطفأ التيار الكهربائي في مدينة النجف الاشرف، وطوقت المدينة بالحديد والنار ورجال الأمن وقوات الطوارىء واعتقل الصدر واخته العلوية بنت الهدى ولم يمض على إعتقالهما سوى ايام واستشهدا في التاسع من نيسان من عام 1980 سجل للنظام فيها جريمة من أبشع الجرائم وذلك بإعدامه آخر فلاسفة القرن العشرين ومفكرا إسلاميا كبيرا وأخته العلوية آمنة الصدر ومجموعة كبيرة من أحرار العراق.وهكذا سقط نظام البعث في يوم استشهاده ولكن بعد هذه السنوات الطويلة التي مضت بعد إستشهاد محمد باقر الصدر وأخته العلوية بنت الهدى فهل يوجد الآن موقف أو عمل يعطي رؤية واضحة لإستثمار مناسبة الإستشهاد؟على إعتبار أن الشهيد ليس صانع تاريخ فحسب بل هو صانع مستقبل ،أم أننا نحن من نجعل منه أو نحوله من صانع تاريخ الى صانع مستقبل؟
الشهيد حي بشهادة القرآن الكريم والحي حاضر إذن نحن من علينا إحضاره ،نحضره روحاً، نحول تضحيته الى تغيير نحو الأفضل، ونحول الحزن الى قوة، ننظر الى المستقبل، إنها رغبة الشهيد في بناء الإنسان، في بناء الأرض، رغبة الشهيد في بناء دولة عادلة كريمة قوية بحرية الإنسان والقانون العادل ودولة تضمن للجميع حقوقهم وتقف على نفس المسافة من الجميع.والشهيد حاضر روحاً وفكراً والظالمون أباد الله نظامهم وكسر شوكتهم على الرغم مما خلفوه بعد نهايتهم ولكن بدماء الشهداء وتضحياتهم تبنى الأوطان . واليوم ونحن نحيي ذكرى اليوم التاسع من نيسان ذكرى شهادة آية الله العظمى محمد باقر الصدر وأخته العلوية بنت الهدى في عام 1980 وفي نفس اليوم من عام 2003 سقوط نظام الطاغية المقبور وحزبه الكافر والظالم الذين انتهكوا الحرمات وقتلوا أبناء العراق ودمروا البلاد , والمصيبة الكبرى من تبقى من هؤلاء المجرمين من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين سيشاركون في الإنتخابات البرلمانية القادمة وعبروا من هيئة المساءلة والعدالة وقانون الإجتثاث وها هم يصولون ويجولون بكل حرية في البلاد ومنهم من تسلم مناصب عليا في الدولة وتحكم برقاب العراقيين من جديد , ويحتاج العراقيون اليوم قائدا فذا بمواصفات الشهيد الصدر (قدس) ليقود البلاد الى بر الأمان والقضاء على كل من تمسك بحب وإيمان بالحزب الكافر حزب الخراب والظلم (حزب البعث والعبث) وسيأتي الخلاص قريبا عبر صناديق الإقتراع لإنتخاب البرلمان القادم خاليا من هؤلاء القذرة ويكون ذلك عبر المشاركة الواسعة للناخبين لترشيح النزيه والكفوء والجيد وصاحب خبرة في العمل من أجل إنقاذ العراق مما هو فيه من إستقرار الأمن والخدمات والتقدم العلمي لكي نلتحق بالركب العالمي المتقدم .
24/5/140409