المقالات

انتخابات العراق: الأكراد وبيضة القبان

2119 21:45:42 2014-04-30

عادل الجبوري

تعكس الحملات الدعائية للانتخابات البرلمانية العراقية المزمع، ثلاثة حقائق لا تقبل البحث والنقاش، الحقيقة الاولى، تعقيدات الوضع السياسي العراق وتشابك وتداخل خيوطه وخطوطه الى حد كبير، والحقيقة الثانية، وجود كتل رئيسية محددة من المكونات الثلاثة (الشيعية والسنية والكردية) هي الماسكة بزمام الامور، وستبقى كذلك على صعيد المدى المنظور، اما الحقيقة الثالثة فتتمثل في ان النتائج التي ستفرزها الانتخابات المرتقبة لن تقلب موازين القوى القائمة، اي بعبارة اخرى، ستحافظ على التوازنات القائمة، استنادا الى احتمالية حصول تقدم طفيف للبعض وتراجع طفيف ايضا للبعض الاخر، وهذه الحقائق الثلاث تعني فيما تعنيه ان طبيعة الحراك السياسي المشحون والمتأزم لن تتغير باتجاه حدوث انفراجات واقعية وملموسة في المرحلة المقبلة.

ولعل قراءة موضوعية لواقع الكتل الانتخابية الرئيسية، من حيث تشكيلتها ونقاط قوتها وضعفها، وخطابها السياسي وبرنامجها الانتخابي، من شأنها ان تساهم في بلورة صورة المشهد العام الراهن، ومعالم المشهد العام في مرحلة ما بعد الانتخابات.

التفاهمات والتوافقات الكردية الغائبة

قد تبدو صورة المكون الكردي شبيهه في بعض معالمها وملامحها والوانها بصورة المكون السني، التي تعاني التشوش والاضطراب والارتباك، المرتبط في جانب منه بأزمات داخلية بين قوى وتيارات المكون الكردي، لا سيما الرئيسية منها، وفي جانب منه مرتبط بأزمات متواصلة مع الحكومة الاتحادية، ومرتبط ايضا بطبيعة الحراك الاقليمي خلال الاعوام الثلاثة الماضية.

الاكراد سيخوضون الانتخابات البرلمانية المقبلة التي ستجرى اليوم الاربعاء، ومعها انتخابات مجالس المحافظات في كردستان حصرا (اربيل ودهوك والسليمانية) في الثلاثين من الشهر الجاري، بسبعة قوائم رئيسية، هي الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، وحركة التغيير (كوران) بزعامة نوشيروان مصطفى، والاتحاد الإسلامي في كردستان بزعامة محمد فرج، والجماعة الإسلامية بزعامة علي باببير، والحركة الإسلامية، والتحالف الوطني الكردستاني، والى جانب تلك القوائم السبع، هناك خمس قوائم تركمانية، وأربع قوائم للكلدان والآشوريين والسريان، وقائمتان للأرمن. اضف الى ذلك يخوض كل من الحزب الشيوعي الكردستاني والحزب الاشتراكي وحزب الكادحين الانتخابات بقائمة واحدة.

اهم وابرز متغير في المشهد الكردي في هذه الانتخابات مقارنة بانتخابات عام 2010، هو الانفصال و"الطلاق البائن" بين الحزبين الرئيسيين، الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني، اللذين اجتمعا في السابق تحت عنوان التحالف الكردستاني.

وما جعل عرى التحالف الكردستاني تتصدع-ذلك الشرخ الذي اخذت بوادره ومعالمه تلوح في الافق بوضوح-هو دخول حركة التغيير (كوران) المنشقة عن الاتحاد الوطني الى المشهد السياسي بقوة، واحرازها نتائج جيدة في انتخابات برلمان اقليم كردستان عام 2009، حيث حصلت على 23 مقعدا من مجموع مائة مقعد، وحصلت على ثمانية مقاعد في البرلمان العراقي بانتخابات 2010.

هذه الانطلاقة القوية لحركة التغيير، قابلها تراجع حاد للاتحاد الوطني بزعامة الطالباني، تجلى بصورة واضحة جدا في انتخابات برلمان الاقليم التي جرت في الحادي والعشرين من شهر ايلول/سبتمبر الماضي.

ولعل ذلك التراجع تسبب في اختلال ميزان القوى والتوازنات بين حزبي الطالباني والبارزاني، وبالتالي استحالة البقاء على الصيغ والاليات السابقة في توزيع السلطة والنفوذ والمواقع بينهما، مع ظهور طرف اخر نجح في ان يكون رقما صعبا في المعادلات السياسية بالاقليم

غياب زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني عن المشهد السياسي بسبب المرض منذ حوالي عام ونصف العام، والتعتيم الكبير على اوضاعه الصحية من قبل عائلته والمقربين منه، واستفحال الخلافات بين قياداته الكبرى، مثل عاملا اخر لتراجع الاتحاد، وانحسار فرص بقائه لاعبا كبيرا ومؤثرا في الساحة، وهو ما يعني تلقائيا ان منافسه وحليفه الرئيسي (حزب البارزاني) لا بد ان يعيد النظر بحساباته ويرتب اوراقه، على ضوء الواقع الجديد. وكل ذلك اضاف المزيد من التعقيد للمشهد السياسي الكردي، وانعكس الى حد كبير على المفاوضات الماراثونية الشاقة لتشكيل الحكومة الكردية الجديدة على ضوء نتائج انتخابات ايلول/سبتمبر الماضي، فقد مرت اكثر من سبعة شهور، وما زالت الامور تدور في حلقة مفرغة، وربما يحتاج الفرقاء الاكراد الى عدة شهور اخرى للتوصل الى توافقات، ومن غير المستبعد ان تلقي نتائج الانتخابات البرلمانية، بظلالها على مطالب وشروط وسقوف كل طرف على ضوء ما سيحصل عليه من مقاعد.

ولا شك انه في مشهد انتخابات 2014 يمكن ان يلاحظ المراقب، غياب الحد الادنى من التوافقات الكردية-الكردية، وما قد يبدو انه توافقات هو في الواقع اصطفافات لقوى وكيانات صغيرة مع قوى وكيانات اكبر منها، محكومة بحسابات ووعود وطموحات معينة.

رقم كبير .. وارقام متناثرة

ومثله مثل المكون السني، وكذلك المكون الشيعي، لن يفقد المكون الكردي شيئا من رصيده في البرلمان العراقي، اي انه سيكون في الاطار العام رقما كبيرا ومهما في الحسابات السياسية، وأي ترتيبات تتعلق بتشكيل الحكومة واختيار اصحاب المواقع السيادية العليا، سواء الرئاسات الثلاث ونوابهم والوزاررات السيادية وغيرها.

بيد ان المشكلة الحقيقية التي ستواجه المكون الكردي هي من داخله بالاساس، اذ ان ذلك الرقم الكبير، هو في الواقع عبارة-او حصيلة-ارقام متناثرة ومتقاطعة من الصعب ان تجتمع وتتوافق على رأي وقرار جامع، ولو كان ذلك امرا سهلا ويسيرا لما تأخر تشكيل حكومة الاقليم كل هذا الوقت، وسيجد الفرقاء الاكراد طريقهم اكثر وعورة، امام استحقاق اختيار شخصية سياسية كردية تتولى منصب رئيس الجمهورية، في حال بقي المنصب من حصة المكون الكردي، بعدما بات جلال الطالباني الغائب عن المشهد خارج اطار الحسابات والخيارات، وحتى لو تحول المنصب الى المون السني، فإن على الاكراد ان يختاروا من يتولى منصب رئيس مجلس النواب.

والنقطة الاخرى، هي ان الاختلافات والتقاطعات في داخل البيت الكردي، ستطفو على السطح حين يطرح ملف اختيار رئيس الوزراء، سواء رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي او اي شخصية سياسية اخرى، لا سيما اذا كانت من ائتلاف دولة القانون، وقريبة من المالكي.

بحسابات الارقام سيتصدر الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارزاني عناوين المكون الكردي في البرلمان العراقي، وستأتي بعده حركة التغيير، ومن ثم الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الطالباني، ما يعني ان الاخيرة ستطالب بما كان من امتيازات ومواقع للاتحاد، باعتبارها تقدمت عليه وشغلت موقعه المتقدم.

وليس بالضرورة ان تمنح حالة الضعف في المكون الكردي، قوة للحكومة الاتحادية، وخصوم الاكراد، بقدر ما تجعل خيارات حسم المشاكل والازمات العالقة والقضايا الخلافية اكثر صعوبة وتعقيدا، وربما تؤدي الى اطالة امد تشكيل الحكومة والاتفاق على ترتيبات واستحقاقات مرحلة ما بعد الانتخابات، وأغلب الظن لن يتاح للاكراد ان يكونوا، كما كانوا في السابق، بيضة القبان التي تحسم وترجح خيارا على اخر.

9/5/140430

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك