قاسم العجرش
أتساءل بيني وبين نفسي؛ وربما يفعلها غيري: هل يغدو بلدنا أقرب الى ديمقراطية حقيقية، عقب كل ممارسة انتخابية جديدة؟
بمعنى أكثر تحديداً فإن السؤال يكون: هل تقدمنا في المسار الديمقراطي، بعد عشر سنوات من أول ممارسة ديمقراطية لنا، أثر زوال نظام القهر الصدامي؟
الإجابة تمثل أمامنا مسلمة؛ تفيد بأن التغيّرات الناجحة في التاريخ، هي تلك التي تغيّر الإنسان وليس فقط أنظمة الحكم، وهي التي لا تطيح بنظام حكم؛ بقدر إطاحتها بثقافة وعقلية متسلّطة تسود المجتمع.
وفقاً لهذا الفهم؛ فإن النتائج المتحصلة من العمليات الانتخابية المتكررة، لا يمكن رؤيتها بوضوح، إذا ما اقتصرت رؤيتنا على الحراك السياسي، وعلى النتائج المترتبة عليها، من قبيل تشكيل حكومة جديدة، ومجلس نواب، وتوزيع للمناصب..
إذا كنا نتحدّث عن تغيير بعد نيسان 2003، كلحظة فارقة في تاريخ العراق السياسي، فإن الحراك السياسي الذي يسبق الانتخابات ويليها شيء، وبناء الديمقراطية شيء آخر؛ إذ أن الحراك السياسي تتحكم به وتحكمه السياقات الحزبية، والديناميكيات الدستورية، أما بناء الديمقراطية؛ فهو ثقافة لا يمكن رؤيتها وتلمّس آثارها، إلا بعد عمليات التغيير بسنوات عديدة، لأن الديمقراطية ثقافة، والثقافة تتشكل بأساليب مختلفة، عن أساليب تغيير الأنظمة والسياسات والقيادات، ولأن التغيير الثقافي يعني تغييراً في العقل، وليس في تقنيات الإدارة والحكم.
غير أن التغيير في العقليات، وإنتاج ثقافة ديمقراطية؛ يرتبط بشكل مباشر بسلوكيات الفاعلين والنخب السياسية، ويعتمد أساساً على استيعابهم لاشتراطات الثقافة الديمقراطية، وعلى مدى قدرتهم على التفاعل مع المفاعيل، التي يوفرها الجو الديمقراطي العام.
في قضية فهم الديمقراطية؛ مازالت معظم القوى السياسية العراقية، وأغلب القيادات والنخب السياسية، تفهم أن الديمقراطية آلية للوصول الى السلطة، و وسيلة لتبادل سلمي للحكم، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، فإنهم يعتقدون بأن جميع الأساليب مشروعة، بما في ذلك حروب الملفات، وتصيّد الأخطاء، وتتبع العثرات، والعنف والكذب والخداع والتضليل والتزوير، والتخوين والاتهام بالعمالة، وكل ما تبقى في قاموس السيئات، وليست هناك دلائل على أن هؤلاء الساسة، يتوفرون على معرفة بالثقافة الديمقراطية وأدواتها واشتراطاتها، بل أن منهم من يفهم الديمقراطية على أنها دعوة للفوضى !..
كلام قبل السلام: النتيجة أننا نخوض عباب بحر الديمقراطية، بسفن يقودها ربابنة ليسوا ديمقراطيين!
سلام...
قاسم العجرش
https://telegram.me/buratha