نزار حيدر
ما يمر به العراق الان من ظرف خطير يتهدد العملية السياسية برمتها، لا يمكن تجاوزه ما لم نعالج الأسباب التي أدت الى ذلك، ولا يمكن معالجة الأسباب ما لم نتحدث مع بعضنا بصوت مرتفع بعيدا عن سياسات الترهيب والتخويف والتخوين والطعن بالولاءات والمزايدات بالمواقف والتشبث بالعبارة البائسة (ليس وقتها) لتكميم الأفواه وتبرئة الفاشلين والحيلولة دون اطلاع الرأي العام العراقي على حقيقة الأوضاع، والذي يريدونه للذبح فقط من دون ان يسأل او يناقش.
في هذا المقال سأتحدث عن أربعة أمور فشل بها الساسة العراقيون، وتحديدا الشيعة، فشلا ذريعا انتجت الحاضر البائس، وما لم نحوّل الفشل في الامور الأربعة التالية، فسيتكرر المشهد ببن فترة واخرى.
الامر الاول: الفشل في نقل المعركة الى عقر دار نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية، والذي يعرف الجميع انه يلعب، ومنذ سقوط الصنم ولحد الان، دورا مفصليا في كل المساعي الرامية الى تدمير العملية السياسية الجديدة، وهو المنبع الاول والأخير للإرهاب الذي يدمر العراق الجديد.
لقد ظل نظام القبيلة وعلى مدى () عاما يمارس لعبته القذرة في ملعبنا وعلى ارضنا، في الوقت الذي كان علينا ان ننقل اللعب الى ارضه وفي عقر داره، لنشغله ببضاعته، وهو امر يسير جدا لو كان القادة يمتلكون ولو قليلا من الذكاء والفطنة والحكمة وبعد النظر.
لقد فشلنا في صناعة اعلام يؤثر في ملعبهم، وفشلنا في مد الخطوط مع الداخل، وفشلنا في فضحهم في المجتمع الدولي، بل فشلنا في تحصين أسرارنا عنهم، عندما نجحوا في خداع عدد من المسؤولين العراقيين، الشيعة تحديدا، ليكونوا طابورا خامسا لهم في ملعبنا، تخيل؟!.
وصدق أمير المؤمنين (ع) الذي قال {وَقُلْتُ لَكُمُ: اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ، فَوَاللهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ في عُقْرِ دَارِهِمْ إِلاَّ ذَلُّوا، فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الغَارَاتُ، وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الاَْوْطَانُ}.
الامر الثاني: ان السياسيين فشلوا في حل مشاكلهم التي استمرت لحد الان () عاما، وأخص منهم بالذكر السياسيين الشيعة الذين جمعتهم المرجعية الدينية بعد ان فرقتهم، لعقود طويلة، انانياتهم ومصالحهم الحزبية والعائلية الضيقة، فلقد انشغلوا بصراعاتهم الشخصية وبالصراع على السلطة، وتركوا التفكير والتخطيط الاستراتيجي لبناء الدولة وتنظيم العلاقات الاستراتيجية مع بعضهم ومع شركاء الوطن.
والغريب في الامر، انهم كلهم يدّعون انهم نتاج المرجعية الدينية التي يدّعون انها اسستهم ورعتهم وعلمتهم وربتهم ونظمتهم، بل ان كلهم يدعون انهم نتاج حركة ومدرسة الشهيد الصدر الاول (قدس سره) وأنهم كلهم يبكون على الحسين الشهيد (ع) ويلطمون ويخوطون قِدرهُ في عاشوراء ويقيمون المآتم في مكاتبهم ووزاراتهم، ويذهبون اليه (ع) سيرا على الأقدام في الاربعين ولهم موكب في كربلاء المقدسة لتوزيع الطعام على الزوار، ولعل موكب (مختار العصر) كان الأكبر والاضخم في الاربعين الماضية، ومع كل هذا اختلفوا وتشتتوا وتمزقوا حتى باتوا مصداق قول أمير المؤمنين (ع {وَإِنِّي وَاللهِ لاََظُنُّ هؤُلاءِ القَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ، بِاجْتِماعِهمْ عَلَى بَاطِلِهمْ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ}.
الامر الثالث: انهم فشلوا في صناعة رمْزَيْ القوة والمنعة لكل دولة في هذا العالم، الا وهما الأسرار والهيبة، فالدول بأسرارها لذلك عندها الأمن القومي فوق كل اعتبار، فهي تجيّش الجيوش وتقود الحروب من اجل أمنها القومي، اما العراق فهو دولة بلا اسرار، وأتذكر مرة وصلتني رسالة السيد مستشار الأمن الوطني السابق كان قد كتبها بخط يده الى السيد رئيس الجمهورية يطلب منه نقل خدماته الى رئاسة الجمهورية ليستمر مرتبه الشهري فلا ينقطع، وذلك بعد ان انتهى العقد الذي كان قد وقعه مع (بريمر) والذي تم تعيينه على أساسه كمستشار للأمن الوطني في قصة معروفة، وصلتني صورة من رسالته على بريدي الاليكتروني بعد اقل من ساعتين من إرساله لها للرئيس، استغربت وتساءلت مع نفسي: ترى لو ان الأسرار الخاصة للمستشار الأمني تتسرّب بهذه السرعة فما بالك بأسرار الدولة؟.
اما الهيبة فلقد ثبت بالدليل القاطع ان العراق كدولة ليس له اية هيبة لا عند العراقيين ولا عند دول الجوار والمجتمع الدولي، ولعل في الحوار المتلفز يوم امس مع السيد وزير الدفاع بالوكالة، خير دليل على ما أقول، كما ان في قصص (حمودي) ادلة كثيرة على ذلك.
الامر الرابع: هو انهم فشلوا في بناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة الأميركية، والتي نعرف جميعا انها علاقات مصالح اولا واخيرا، ليس فيها مبادئ وليس فيها صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، وإنما مصالح دائمة.
لقد فشلوا، خاصة الساسة الشيعة، في صناعة مجموعات ضغط هنا في واشنطن، وفشلوا حتى في بناء ابسط جسور الثقة مع مراكز القرار والأبحاث والاعلام، كما فشلوا في تبادل الأفكار بشكل سليم، فتخيل ان دولة رئيس الوزراء يضطر، في احدى زياراته للولايات المتحدة، لتبديل المترجم () مرات في اجتماع واحد لانه كان يفشل في نقل الفكرة بشكل سليم للجانب الاميركي، وذات مرة اضطر السيد وزير خارجيته للتدخل من اجل ترجمة كلامه بشكل سليم، تخيل؟!.
انهم يتخبّطون في علاقتهم مع واشنطن، فبينما اعتبر السيد رئيس مجلس الوزراء ان تاريخ (/) يوم (إنجاز اهل الغيرة) على حد قول اللافتات التي ملأ بها العراق والعاصمة بغداد تحديدا، يعود اليوم ليتوسل الادارة ويطلب منها توجيه ضربات جوية ضد مواقع الارهابيين!!.
وهكذا خسرنا أصدقاءنا في واشنطن بعد ان كان القائد العام للقوات المسلحة في اعظم دولة في العالم، واقصد به الرئيس بوش، صديقنا، فلم يعد عندنا حتى موظف بسيط في الخارجية الأميركية صديق لنا، على حد قول سعادة السفير العراقي في واشنطن.
يجب ان تتغير العقلية قبل ان تتغير الاسماء والهويات والشعارات، فنحن نعيش في محيط تحكمه الذئاب، لا يمكن ان نحقق فيه مصالحنا الاستراتيجية قبل ان نبني علاقاتنا على أسس سليمة تقوم على مفهوم المصالح المتبادلة بعيدا عن التنظير الإنشائي والمبادئ المزيّفة التي نعلّق عليها اخفاقاتنا وفشلنا وهزائمنا.
https://telegram.me/buratha