نزار حيدر
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
العصيان والعدوان، توءمان، اذا شاعا في المجتمع انهارت قواعده وسار نحو القهقرى.
وإنما يعتدي الانسان على أخيه الانسان عندما يغيب القانون في المجتمع، وتعمّ الفوضى، فترى كل جماعة او فئة تحاول ان تفرض سيطرتها، ولو على مساحة معينة سواء من الارض او من المجتمع، لتتحول شيئا فشيئا الى ميليشيات وعصابات خارجة عن القانون تعيث في الارض فسادا.
والقوانين على نوعين، الاول هو قوانين السماء، او ما يسميه البعض بقوانين الطبيعة، وهي السّنن الإلهية التي نتعلمها من الماضي ومن قصص التاريخ التي تركتها لنا الامم والشعوب، اذا كانت اجتماعية، او بالعلم والتجربة والبحث اذا كانت غير ذلك، والثاني هي القوانين التي يسنّها الانسان لتنظيم جزئيات وتفاصيل شؤون حياته.
ان المجتمعات الناجحة والآمنة والمستقرة، هي المجتمعات التي فيها القانون مُحترم وهو فوق الجميع لا يتجاوزه احد، سواءً كان في السلطة او خارجها، حاكما او محكوما، اما في المجتمعات الفاشلة، فهي التي يتجاوز كل من هل ودب على القانون، خاصة الحاكم وزبانيته وحاشيته، فمثلا؛ اذا كان الحاكم يعتمد بفرض سيطرته على الميليشيات والمسلحين الخارجين عن القانون، فما بالك بالآخرين؟ ولقد رأينا، مثلا، كيف ان الطاغية الذليل صدام حسين أسس عددا كبيرا من الميليشيات المسلحة الى جانب الأجهزة الأمنية (الرسمية) ليحوّلها الى يد ضاربة تقتل وتعتدي وتتجاوز وتعتقل، ما أدى الى ان يتحول العراق الى ما يشبه الغابة يتحكم فيها القوي بمصير الضعيف.
في الدول الفاشلة، فان شخص الحاكم هو القانون، بل ان كل مواطن هو قانون، ولذلك تعم فيه الفوضى بشكل مرعب، اما في الدول الناجحة فان للقانون احترامه، وهو وثيقة مدونة لها أسمى اعتبار.
في بلداننا، اذا تجاوز الطفل، مثلا، على القانون فان والديه يهدّدونه بالشرطي، فينشأ وهو يخاف الشرطي واذا أراد ان يلتزم بالقانون فليس لانه يحترمه، وإنما خوفا من الشرطي، اما في بلدانهم، فإذا خالف الطفل القانون فان والديه ينبّهونه قائلين له (ان ذلك ضد القانون) ولذلك يكبر وينشأ الطفل عندهم وهو يحترم ويحب القانون.
اذا غاب القانون حضرت الفوضى، والعكس هو الصحيح، وليس المقصود بغياب القانون في البلد عدم وجوده، لا ابدا، فالقانون موجود بلا شك، اذ ليس هناك في هذا العالم بلدٌ بلا قانون، الا انه مركون على الرّف لا يعمل به أحدٌ ولا يحترمه احد ولا يتذكره احد، خاصة الحاكم الذي يحوّله الى اداة بيده يعود اليه لقمع معارضيه مثلا او عندما يشتهي ان يوزع العطايا على زبانيته ومحازبيه، وينساه او يتناساه اذا تعلّق الامر بغيرهم، يستحضره وبقوة اذا جرى الحديث عن حقوقه وواجبات الشعب، وينساه او يهمله اذا أراد احد ان يذكّره بواجباته وحقوق الرعية.
يجب ان يتعلم المجتمع كيف يحترم القانون فلا يعصي منه شيئا، ليتحول ذلك الى ثقافة يعيشها المواطن في كل شيء، فضلا عن الحاكم والمسؤول، واذا ما تجاوز احد على القانون فانّ على المجتمع ان يهب بوجهه مستنكرا ورافضا لذلك، فلا يسكت لأي سبب ولا يغضّ النظر خوفا مثلا او طمعا، لان انفلات الامور في المجتمع وتغييب القانون سيثير الفوضى في الشارع. الامر الذي يضرّ بكل المجتمع وليس بفئة دون اخرى، ولذلك تحدثت الاية عن تلازم العصيان، عدم احترام القانون، مع العدوان، من جانب، وربطت الأمرين بأمر ثالث مهم جدا، الا وهو سكوت المجتمع عن عصيان فئة وتجاوزها على القانون، وعدوانها على الآخرين، فان عدم التناهي عن فعل المنكر يزيد من فرص العصيان والعدوان، ومن الواضح جدا فان معنى التناهي هو ان ينهى بعضهم البعض الاخر، من خلال صناعة الرقيب الذاتي وتحوّل المجتمع، كل المجتمع، الى قوة فاعلة ترصد اي خرق قانوني او عدوان من قبل أيّ كان، فلا يقولنّ احدٌ (مالي والدخول بين السلاطين) او ان الامر لا يعنيني، فأثر العدوان على الغير سيصيبه ان عاجلا ام آجلا، فلا يمكن لاحد ان يعيش في مأمن اذا انفلت القانون ولم يلتزم به واحد فقط من المجتمع، فما بالك بجماعة؟.
ان السائق الذي لا يلتزم بإشارة المرور فلا يتوقف أمام الإشارة الحمراء، لا يعرّض نفسه فقط للخطر، وإنما يعرّض الآخرين كذلك للخطر، وهكذا هو الحال بالنسبة لكل من لا يحترم القانون ويتمرد عليه، فهو مصدر خطر وقلق على الآخرين قبل ان يكون على نفسه، ولذلك يجب على المجتمع ان يتناهى عن فعل المنكر أيا كان مصدره، وهل هناك منكرا في المجتمع أقبح من التمرد على القانون؟!.
وكل رمضان وانتم بخير.
https://telegram.me/buratha