قاسم العجرش
التقيت قبل سنوات عدة هنا في بغداد، بصحفي روسي مستقل، يعمل في وسائل إعلام روسية وغربية عدة، تناولنا في لقائنا مواضيع شتى، معظمها يتعلق بالشأن السياسي العراقي، وحاولت تقصي وجهة نظره فيما سيكون عليه مستقبل العراق.
الرجل كان ثاقب النظرة والتفكير حينما قال، لقد وجدتم أنفسكم؛ في إستحقاق أن تنتقلوا من الحكم الشمولي الى الحكم الديمقراطي، وهو إنتقال عادة ومثلما حصل لغيركم كان بوسائل قسرية، إذ لم يذكر لنا التاريخ حادثة واحدة، إنتقل فيها شعب من الحكم الدكتاتوري الإستبدادي، الى حكم ديمقراطي بوسائل سلمية أو ديمقراطية، وحتى في الدول ذات الديمقراطيات العريقة، فإن الحكام "الديمقراطيين"، يغادرون كراسيهم بوسائل لا تمت للديمقراطية بصلة، فالفضائح والتسقيط السياسي والتشهير، ونبش السيرة الشخصية والملفات السرية، وحدها هي التي تجبرهم على مغادرة السلطة، وفي أحيان كثيرة تسقطهم الفضائح الجنسية!.
كنت أحاول استيعاب ما قاله، لكنه أضاف: وأنتم تنتقلون الى الديمقراطية؛ ستحتاجون الى زمن أطول من غيركم، لإتمام عملية الإنتقال، وستواجهون مصاعب كثيرة، لأن عقلكم ليس عقلا ديمقراطيا، وأنتم في حاجة الى ثقافة ديمقراطية، وليس فقط الى تعلم آليات الديمقراطية، ومثلما تقدم الشعوب تضحيات جسيمة، للإنتقال من الحكم الدكتاتوري الى حكم ديمقراطي، ستقدمون تضحيات أكثر لتصبحوا ديمقراطيين حقيقيين، ويتعيّن عليكم أن تتخلّصوا من القسم الأعظم من أمراضكم، وفي مقدمتها مرض الأنا.
قدم فيدرو كما يحب أن يُسمى، مصداقاً لرؤيته ودليلاً واقعياً، لمسه بيده على أن معظمنا مصاب بهذا المرض الوبيل، فقل: "شوف" التقيت بعدد كبير من الساسة العراقيين، أسأل هذا عن رأي في قضية، وأستوضح من ذاك عن خططه المستقبلية، فوجدت أنهم غالباً ما يتحدثون عن أنفسهم أكثر، مما يتحدثون عن موضوع البحث! وكانت إجاباتهم جميعا تبدأ بـ (أنا أرى) (أنا أعتقد) (أنا أؤكد) (أنا قررت) (أنا أقول)..الخ..
حاول فيدرو أن يختصر فكرته، عن كيفية إحداث تغيير، في بلد تسود فيه ثقافة (الأنا) لدى الحكام فقال: إن الفرق في عملية التغيير في بلد بثقافة ديمقراطية، وبلد تسوده ثقافة (الأنا)، هو الفرق نفسه، بين مقعد الحمام العربي ومقعد الحمام الغربي، فالمقعد الغربي يمكن نزعه بفك مسمارين فقط، أما المقعد العربي فلا يمكن فكه إلا بتكسير الحمام كله !.
كلام قبل السلام: النصيحة بعد وقوع الواقعة، كإعطاء الدواء لميت !.
سلام...
https://telegram.me/buratha