عبد الكاظم حسن الجابري
تمثل المرجعية, بما تمتلكه من تأثير روحي, صمام امان للمجتمع, وعلى مدى القرون التي مرت بها المرجعية, نجدها كانت المعين الذي لا ينضب, ومنهلا عذبا, يسقي المجتمع بكل مكارم الفضيلة.
لم يقتصر دور المرجعية على التوجيه الديني او العقائدي فقط, بل امتد لكل نواحي الحياة, فوضعت المرجعية الحلول لكل المستحدثات, التي حدثت في الحياة العامة, فلها بصماتها الفقهية, في العلوم, والوظائف, والطب, وغيرها, وتنظيم واصدار الفتاوى التي تتمشى مع مستجدات العصر.
كان الشأن السياسي بدوره, حاضرا في مسيرة المرجعية, وكانت بحكمتها تضع النقاط على الحروف, في كل الظروف السياسية, فكانت المرجعية تصمت ان اقتضى الظرف, وتتكلم ان لزم الامر.
في العراق الحديث, كان للمرجعية دور بارز, في رسم صورة التعامل, مع كل المستجدات السياسية, -سواء كان في بداية الاحتلال البريطاني, عام 1914 وفتاوى الجهاد التي اعلنتها المرجعية, لمقاتلة الغزاة الجدد, ودورها في ثورة العشرين ايضا-, أم في تعاملها مع الحكومات العراقية الجديدة, التي تشكلت في بدايات العشرينات من القرن الماضي.
وبعد انتهاء الملكية, وبداية العصر الجمهوري, كان للمرجعية حضورا اوسع, ومشاركة فاعلة في الاحداث السياسية, وكانت بكل خطواتها, ترسم الاطر العامة للنهج السياسي, الذي على المواطنين اتباعه, للتعامل مع الحكومات, وقد برز في تلك الفترة, سماحة السيد محسن الحكيم كمتصدر, لتوجيه الخطاب الساسي الحوزوي تجاه المؤسسة الحكومية.
بعد احداث عام 2003, وتغير نظام الحكم البعثي, شهد العراق انعطافة تاريخية, غيرت خارطة العراق السياسية, وشكل الحكم الجديد, في ظل دستور, حاز على ثقة الشعب باستفتاء عام.
كان سماحة السيد السيستاني قطب الرحى في كل هذه الاحداث, فهو من طالب, واصر على ضرورة تسليم الحكم للعراقيين, ليحكموا انفسهم من خلال حكومات منتخبة, واصر على صياغة دستور دائم للعراق, وتحمل السيد السيستاني في سبيل الدفاع عن حقوق الشعب العراقي, الكثير الكثير, فبين مكر اعداء الخارج, وحقد اعداء الداخل, بقي سماحته مطالبا بحقوق الشعب, صابرا محتسبا, متمثلا سيرة اجداده العظام عليهم السلام.
وحينما هزت العراق مشاكل داخلية, وفتنة وحرب كادت ان تنهي تجربته الحديثة, انبرى السيد السيستاني للنزول بنفسه للشارع, لحل المعضلات, فعندما وصلت الفتنة لحد قبر امير المؤمنين عليه السلام, وحدثت ما سمي وقتها بمعركة النجف, ورغم ان سامحته كان في رحلة علاجية الى لندن, الا انه ومع خطورة الموقف, وحراجة وضع الحكومة العراقية, اصر ان يقطع فترته العلاجية وعاد بنفسه للعراق, داعيا جميع الشعب للزحف بمسيرة سلمية لحل الازمة, والتي انحلت بمجرد وصول سماحته الى ارض النجف, بموقف تحس منه التسديد واليد الغيبية, التي توفق وتسدد هذا السيد العظيم, حيث تحمل تعب وعناء السفر, والمرض, وكبر السن, لينهي فتنة لو نشبت فلن تبقي ولا تذر.
يشهد العراق حاليا, وخصوصا في مناطقه الشمالية والغربية, موجة استباحة من قبل العصابات التكفيرية, التي غزت تلك المناطق, وبتعاون وتخاذل بعض السياسيين, وكبار القادة في تلك المناطق, استطاعت التنظيمات التكفيرية من الاستحواذ على مناطق كثير هناك, مع الاستحواذ على اليات واموال المصارف والدوائر الحكومية, ولكون المؤسسة الامنية مخترقة, وان هناك لفيف من ضباط البعث المتآمرين, بدا للعيان ان صورة الدولة اهتزت, وان التنظيمات الارهابية كانت قاب قوسين من اطراف بغداد, التي لو وصلوها لا -سمح الله- لكان العراق قد وصل الى منزلق خطير, لا يعلم نهايته الا الله.
هنا انبرى سماحة السيد السيستاني مرة اخرى, ولكن هذه المرة بأمر وجوبي ألا وهو الجهاد الكفائي, فالزم السيد كل من يتمكن من حمل السلاح, ان ينخرط في صفوف القوات الامنية, لمحاربة العصابات التكفيرية, ودعا سماحته الكل لحمل السلاح, والوقوف صفا واحدا للدفاع عن العراق, وقد اعلن سماحته, ان من يقتل في المعركة, من القوات الامنية فهو شهيد.
كان لهذه الفتوى, الاثر العجيب في قلب الموازين, فالجيش الذي عاني من الانكسار المعنوي, بعد هروب قادته, عاد ونهض من جديد, وازداد الحماس, وارتفعت الروح المعنوية, وصار الجنود والمتطوعون يتسابقون على الشهادة والذود عن الوطن.
كما ان فتوة سماحة السيد السيستاني, ارهبت العدو الخفي, وشتت كل خططه, فلم يكن يظن المتآمرون, والمخططون لهذه المؤامرة, سواء من دول الجوار, ام من بعض الجهات الداخلية, لم يظنوا ان سماحة السيد السيستاني سيقلب الطاولة عليهم, وسيوصد كل ابواب الفتنة, التي ارادوا ان ينشبوا اظفارها بالعراق, من خلال التنظيم التكفيري "داعش",
لقد الجم سماحة السيد السيستاني كل المتربصين بالعراق حجرا, وبفتواه هذه, فان سماحته قد انقذ العراق, من مستقبل مجهول, لا يعرف اوله من اخره, واعاد سماحته الروح للجيش, وللمجتمع
https://telegram.me/buratha