ليس المهم ان تمرّ بتجربة او تقرأ عن تجارب الآخرين او تسمع عنها، وإنما المهم هو ان توظفها في حساباتك اليومية لتستفيد منها دروسا في النجاح تجنّبك الفشل والهزيمة، خاصة التجارب الذاتية، فهي غنيّة بالدروس والعبر اكثر من غيرها.
وإنّ ما يلاحظ اليوم عن العراقيين انهم شعب لا يوظّف التجربة، ولا يستذكرها ابدا، انه شعب ينسى بسرعة او يتناسى ولذلك تتكرّر عليه المآسي ويتكرر عليه الفشل والهزيمة باستمرار.
اننا اليوم امام فترة زمنية عصيبة جداً، هي بمثابة الحد الفاصل بين زمنين، بين الديمقراطية او العودة بعقاب الزمن الى الوراء، ويخطئ من يظن ان عقارب الزمن لا يمكن ان تعود الى الخلف ابدا، انه امر خيارُه بيد العراقيين اليوم، فاذا وظّفوا التجربة بكل تفاصيلها، خاصة ما مرّوا به خلال السنوات الثمان الماضية، فسينتقلون الى الضفة الاخرى، يكمّلون المشوار ويتقّدمون الى الامام بالعملية السياسية فيكمّلون بناء النظام الديمقراطي بشكل سليم، اما اذا تهاونوا وتكاسلوا وأعادوا تبني فكرة (انّي لا اسمع، لا ارى، لا اتكلّم) فعادوا من جديد يصنعون طاغوتا ويعبدون القائد الضرورة ويصفّقون للمسؤول الفاشل ويدافعون عن المتصدي بسبب انتمائه الديني او المذهبي او الاثني او الحزبي او المناطقي، وليس على اساس انتمائه الوطني، فترى كلّ مكوّن بما لديه من سياسيين ومسؤولين ونواب فرح يرفض انتقاده ولا يقبل بتوجيه اللوم اليه، اذا بقي العراقيون على هذه الحال واستصحبوا الحالة السابقة فان الفشل ينتظرهم لا محالة، فالأمر لا يحتمل التجربة مرة اخرى، وهو جدي بشكل كبير يحتاج الى التفكير السليم الذي يعتمد النقد البناء والرقابة الصارمة والمحاسبة الحازمة، لان الفشل لا يعني احدٌ دون اخر، وان الهزيمة تخصنا جميعا، كما ان النجاح نصنعه نحن جميعا وسنتمتّع بنتائجه الإيجابية نحن جميعا كذلك.
ولعل من ابرز ما ينبغي توظيفه من تجارب هو عدم تكرار تجربة المجرّب مرة اخرى، كما أشارت الى ذلك المرجعية العليا في خطبة صلاة الجمعة في الصحن الحسيني الشريف يوم امس، ففي الحديث الشريف عن رسول الله (ص) {من جرّب المجرّب ندم} لانّ ذلك دليل اختيار المرء للفشل مع سبق الاصرار، وهو دليل غباء مركّب ومستحكم في العقلية وطريقة التفكير.
ان محاولات بعض الكتل البرلمانية استغلال الظروف الأمنية والسياسية الخطيرة لابتزاز الآخرين في مساعي تشكيل الحكومة الجديدة، لهو أمرٌ خطيرٌ جداً، وسيدفعون ثمن ابتزازهم هم انفسهم قبل غيرهم، ولنا جميعا في تجربة السّنين القليلة الماضية خيرُ دليلٍ وبرهان.
على كل الأطراف السياسية ان تتعاون لتشكيل الحكومة الجديدة على قاعدة الالتقاء في منتصف الطريق، من خلال تقديم التنازلات المؤلمة من اجل تحقيق الصالح العام فالبلاد على كفّ عفريت وان سياسة العناد والابتزاز وإثارة الأزمات مع الشركاء السياسيين الآخرين لا تصبُّ في الصالح العام ابدا.
*ملخص المحاضرة التي ألقيتها في مركز الامام الصادق (ع) في مدينة ديترويت بولاية ميشيغان ليلة اول امس (الخميس).
https://telegram.me/buratha