قتلت لأن أسمه في دمي..... وعند سؤالي من الملكين
جوابي يكون بأني لعشاقه أنتمي.........
هكذا كانت بداية أبيات كتبتها بحق الشهداء, من عشاق أهل البيت, وبالتحديد الأمام الحسين (عليه السلام), وهي تعبر عن لسان حال الشهيد السعيد, محمد جواد أبو, رغيف, أبن الأستاذ والأخ الأكبر جواد, الذي أعجز عن مواساته بفقده لفلذة كبده, الملتحق بركب الشهداء مؤخرا, وهو يدافع عن الوطن والعقيدة, كما هو حال والده الذي نعرفه جميعاً.
تعلمت في أحدى محاضرات الأستاذ جواد, أن يكون عنوان المقال قصيراً, لا يتجاوز الكلمتين, وأن يكون معبراً, ويثير فضول القاريء, معذرة أستاذي فقد خالفت تعليماتكم, فقد كان عنوان مقالي طويلاً, تجاوز الكلمتين, لكنه ليس أطول من, وجعكم بفقد أبنكم البكر, الذي أستكثر القدر عليكم الوقوف على قبره, وقراءة الفاتحة على روحه, في الأعياد كما يفعل الناس جميعاً, مع موتاهم, فالقدر أراد أن يكون وجع جواد مميزاً, من طراز خاص.
الفقدان بحد ذاته مصيبة, ومن أبسط حقوق الأهل, أن يدفنوا أحبتهم, الا أن جواد لم يعثر على جثمان ولده, ولم يلقِ عليه نظرة الوداع الأخيرة, ولم يشرف على تغسيله وتكفينه, بعد أستشهاده قرب جرف الصخر و بالتحديد في منطقة ( الحركاوي), رحل محمد وترك في قلب الوالد حسرة وحرقة, وألم لا يضاهيه حتى ألم الموت , فالأب الفاقد تمنى أن يحين أجله, قبل ولده, حتى لا يتجرع كأس الموت, ألف مرة في كل ساعة, عندما يمر أمام عينيه شريط الذكريات.
بعد أن رحل المعزين, الذين لم يدركوا حجم, الألم الذي يعتصر روح الوالد التي تتمزق حزناً وحسرة ومرارة, لا يعرف طعمها الا من فقد عزيزاً, سيفتح جواد, صندوق الذكريات, الذي أصبحت خبيرة فيه قبله, بعد أن فجعت بفقد شقيقٍ ذهب الى, جوار ربه مظلوماً هو الآخر, وصرت أعرف جيداً, خريطة الحزن المحفوظة في صندوق الذكريات, تلك الخريطة التي قررت, أن أشارك الأستاذ أبو رغيف فيها, لنقتسم الألم سوياً, ليعرف الجميع, حجم عطاء جواد, الذي قدم فلذة كبده قرباناً, وحرمُ حتى من حق الوقوف على قبره.
سيجد جواد, فقيده في كل أرجاء, المنزل أنى دار وجهه, في خزانة ملابسه, التي تعج بملابس الشباب, وفي نوع العطر الذي يحبه, وفي غرفته, والكتب التي يحب, وبين الأسطر, التي كتبتها أصابعه في يوم ما, فبقي حبرها جديداً, كأن تلك الأسطر كتبت للتو, سيجده حتى في الأطعمة , التي كان يحبها حين, يجلس الوالد المفجوع, على مائدة ترك ,محمد مكانه شاغراً فيها, وعندما يمر أصدقاء محمد من أمام الدار, ولن يكون بينهم.
سيحل العيد على الجواد, ولن يكون محمد أول المهنئين, وستقرع أجراس رأس السنة, ولن يطلع صبح ,العام الجديد, على محمد الذي رحل مبكراً , ولن يكون قرة عين جواد معه في كل مرة ليشاركه , في زياراته الى الأهل والأقارب, ولن يجلسا معاً ليتبادلا اطراف الحديث.
وحين يجن الليل المليء بالذكريات, لن يجد جواد ملجئاً يلوذ به, من زحمة الذكريات سوى رحمة الخالق جل وعلا, فأمسيات الصيف, العامرة بالضحكات, لم تعد موجودة هي الأخرى, وفنجان القهوة المعتاد, في الموسم الشتوي, لن يكون له طعم, بعد اليوم دون وجود محمد.
هذه هي زخرفة الألم ,التي تطرزقلوب الفاقدين, والقدر والوقت ينقش ويطرز ببراعة على القلوب المفجوعة, فهو الأكثر, مهارة بأستخدام سكين الفراق, التي تقطع نياط القلوب المعذبة, التي ألتحق بركبها استاذ جواد مؤخراً, لكن هناك فرق واحد يرجح كفة الألم لصالحه, هو أن قبر فقيده مكانه بين ضلوعه, وفي عيون كل من يشاركه الحزن والألم.
هذا عطاء والد الشهيد محمد, الذي جاد بقرة عينه, من أجل العقيدة والأرض والعرض, وهذا حال كل ذوي الشهداء, الذين قدموا أبنائهم, لكي نبقى آمنين في منازلنا, مصانة كرامتنا, فاللسان يعجز عن المواساة, والجميل أكبر من أن يرد الى أباء مفجوعين وأمهات فاقدات, وأخوة فجعوا برحيل الأخ, وزوجة ترملت في عز الشباب, وطفل يتيم, يبحث في العيون عن أجوبة شافية لأسباب اليتم. السلام على شهداء العراق, السائرين على خطى سيد الأحرار, ممن أختاروا الحياة الأبدية في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
https://telegram.me/buratha