فالعِبادة ليست بالثّرثرة ابداً، بل قد يكون الكلام احيانا يُبعدُك عن الله تعالى، كما ان الصّمت، في بعض الأحيان، أَفضل عبادة.
يقول الامام محمد بن علي الجواد عليه السلام، الذي يصادف غداً الخميس ذكرى استشهاده {من أصغى الى ناطقٍ فَقَدْ عَبَده، فإن كان النّاطقُ عن الله فقد عبدَ الله، وان كان الناطقُ ينطقُ عن لسان ابليس فقد عبدَ ابليس}.
ولقد اختلفت اليوم، بفضل التكنلوجيا والعولمة ونظام القرية الصغيرة، طرق الاصغاء واساليب ووسائل المساهمة في الاستماع، فليست الأُذُن وحدها اليوم اداة الاصغاء وإنما باتت كل جوارحنا تشاركها في الامر، بما هيأته لنا التكنلوجيا من فرص تناقل المعلومة ربما اسرع من الضوء حتى لم يعد هنالك شيء اسُمه (السّبق الصحفي) فكلّنا حاضرون في موقع الحدث عند وقوعه.
وكما انّنا وظّفنا هذه التكنلوجيا لخدمة اهدافنا المقدّسة كذلك فانّ عدوّنا هو الآخر وظّفها لخدمة أهدافه الخبيثة، فالتكنلوجيا اليوم حق مشاع والفضاء مسخّر للجميع لا يمكن لأحد ان يحجُبه عن احد ابداً، فسياسة الحجْر والمنْع غير مجدية اليوم فكيف يمكننا، اذن، ان نَحولَ دون تمكّن العدو، الارهابيون هنا على وجه التحديد، من توظيف التكنلوجيا ضدنا؟.
اولا: يجب ان نتذكّر دائما بان الحرب القائمة تعتمد الحرب النفسية اولا واخيراً، ولذلك وظّف الارهابيون جيوشاً مخفيّة لصناعة الخبر وبثّه ونشره في الساحة بمختلف الطرق والوسائل.
انهم يصنعون الخبر ثم يبنون عليه قصة التحقيق الصحفي والتحليل السياسي، كما انّهم يفبركون الصور والافلام وينشرونها بكل الطرق، خاصة وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، هدفها إنزال الهزيمة النفسيّة وبالتالي تهيئة الارضيّة المناسبة لغزو عقولنا والتأثير على طريقة تفكيرنا.
المشكلة الكبيرة هي انهم غزونا في مواقعنا واخترقوها من حيث نشعر او لا نشعر، نريد او لا نريد، فاذا انتبه أحدُنا الى ما يبعثه من مواد إعلامية او يتلقّاه عبر وسائل التواصل الاجتماعي فسيكتشف انه مخترق من هذه العصابات سواء بشكل مباشر او غير مباشر، وبمعنى آخر فإننا تحوّلنا الى سوق رائجة لبضاعتهم الرديئة نتناقلها ونتناولها بيننا، نشتريها منهم ونبيعها على انفسنا، فتترك اثرها السلبي المطلوب من حيث لا نشعر.
ينبغي على كل واحدٍ منّا ان ينتبه لكل حرفٍ يتناوله او يتناقله، والا فسنكون الطابور الخامس الرخيص الذي يوظّفه الارهابيون لتحقيق وتنفيذ اجنداتهم رغماً عنّا، ومن ثمّ نتساءل: كيف لهم ان يؤثروا بالسلب في جبهتنا؟. ان اكثر ما نتناقلُه هو غثٌّ وسَموم، لا يعبّر عن الحقيقة قيد انملة، نتناقله من دون اي انتباه، وتلك هي المصيبة. لقد تحوّلنا الى أَبْواق تكشف عن اسرار المعركة وتفاصيل الخطط الأمنيّة، في إطار خدمة مجانيّة نقدّمها للعدو من حيث لا نريد.
ثانيا: فيما ينشغل الارهابيون بصناعة (اعلام) مؤثر وحرب نفسية فاعلة، ترانا مشغولون بنشر كل ما هو تافه بالاضافة الى مادتهم الإعلامية، فمن النّادر ان تقرأَ شيئاً مفيداً، فكلّنا مشغولون بالتوافه من الامور تتكرر علينا ليل نهار، مشغولون بالقيل والقال، مشغولون بجلد الذات واجترار الماضي، مشغولون بالصراعات الجانبية والمشاكل الشخصية، مشغولون بالغيبيّات والخرافات وفي تفسير المنامات.
كما ترانا نتناقل أموراً لا علاقة لها بالتحدّيات اليوميّة لا من قريب ولا من بعيد، وكأنّنا نعيش في عالم اخر، نعيش حياة البطر، او كأنّنا غير معنيين بما يجري من حولنا.
ومن علامة ذلك انك ترانا نتهافت بتعليقاتنا اذا كان الامر فيه مزاحاً او سباباً او فضيحة او ما أشبه، اما اذا كان الامرُ جدياً فيه رأيٌ او فكرة او مقترح، امر يناقش قضية جدية، سواء كانت سياسية او فكرية او ثقافية او ما أشبه، فترانا نمرّ عليها مرور الكرام، لا نطالعها في اغلب الأحيان او نكتفي بالمرور على العنوان فقط. ان هذا دليلٌ على تفاهة عقولنا وضحالة تفكيرنا وسطحية اهتماماتنا، وكلّ ذلك يحتاج منّا الى ان نقف للحظة لنفكّر بحالنا والا فالأمور لا تبشّر بخير ابدا.
ثالثا: النقطة المهمة التي اريد ان أناقشها هنا مع اصحاب الراي والمعنيين، هي:
ان عدداً يُعتدُّ به من المجموعات الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي يشترك فيها اصحاب الرأي والنظرة والخبرة والتجربة.
هذه المجموعات يجب ان تنتبه الى حالها فلا تنزلق الى ما انزلقت اليه عموم المجموعات، من تداول للمواد بلا تمحيص او الإسهام في تسطيح العقل والفهم.
انّ أمامها فرصة وهي قادرة، لتحمّل اعباء مسؤولية صناعة راي عام وتحديد مساراته من خلال تحديد موضوع استراتيجي في كل أسبوع مثلا يتم مناقشته والتداول فيه ومن ثم كتابته كورقة عمل لمن يهمه الامر وإيصاله الى الجهات المعنيّة كمشروع تخصّصي، بعد تبنّيه من قبل المجموعة.
يجب ان نضع حداً لحالة الاسترسال مع الواقع في مثل هذه المجموعات، لتتحوّل الى مطابخ فكرية حقيقيّة ومراكز أبحاث استراتيجية تساهم بالفكرة والرأي والمقترح في إيجاد الحلول المناسبة للعُقد المستعصية التي نمر بها، او لاستشراف رؤية مستقبلية تنتقل بمجتمعنا من حاله الكارثي الى حال جديدٍ افضل.
https://telegram.me/buratha