قاسم العجرش
لأننا مخلوقين ولسنا خالقين؛ فإنه ليس من حقنا تقديم إفتراضات فيما يتعلق بالخلق، إلا بالتسليم بأننا هكذا خُلقنا، بإرادة الخالق جل في علاه، لكن يمكننا التفكر بالخلق، كي نعرف لماذا خلقنا على ما نحن عليه!
في هذا الصدد، ثمة سؤال يطرق أبواب العقول دوما، مؤداه لِمَ لَمْ يخلق تعالى الكون على شكل واحد، والإنسان على طبيعة واحدة، والبشر على عقيدة واحدة، وهو القادر على كل شيء، حيث لا يُسأل عما يفعل؟!
بعض المهووسين بالثقافة الغربية، يرون أن التعددية نـتـاج غربي، وأن ثقافتنا الإسلامية بعيدة عن هذا المفهوم، والواقع أنهم ينطلقون في فهمهم هذا، من أنهم أينما يتلفتون حولهم، يجدون شيوع ثقافة لا تقبل الآخر، الذي يخالفنا في العقيدة، أو الإنتماء الحزبي والقناعة الفكــرية.
الحال أن مثل هذا الهوس الفكري، يشكل خطرا صادما على ديننا، لا سيما أن التعددية أصل من أصول المعتقد الإسلامي وجوهره، فالـواحـد هـو تعالى وحـده، والتنوع في الكون والإنسان أمر من اختيار الخالق، الذي خلق الوجود على أساس تنوعي، والــتـنـوع ضرورة حتمية لاستمرار البقاء على الأرض.
لهذا فإن مفهوم التعددية يحتاج الى تأصيل في ثقافتنا، بمعنى أن يجري بناء منظومة فكرية وعقائدية، تؤمن بأن العقيدة الإسلامية، ترى الحياة متعددة الألوان في كل مناحيها، وأن التنوع سنة إلهية لا محيد عنها، وأن من يرفض التعددية في السلوك الإنساني، إنما يرفض الوحدانية التي اختص بها تعالى.
إن تعدد الهويات والمسالك والتصرفات، أمر طبيعي في الحياة الإنسانية، بسبب إختلاف البيئات والمؤثرات، لهذا تعتبر التعددية أصلا، حيث لا يمكن تـصـور الإسلام بدونها، ويدعم هذا الأصل آلاف الشواهد والنصوص، سواء في القرآن الكريم، أو في مصادر التشريع الأخرى، وفي مقدمتها ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام.
في هذا الصدد؛ لا توجد مشكلة في فقه مذهب أهل البيت عليهم السلام، وأتباع هذا المذهب يرون في الآخر مثيل لهم، وقاعدتهم في ذلك: "الناس إمّا أخٌ لكَ في الدِّين أو شبيهٌ لكَ في الخَلْق"، ولذلك فإن الشيعة منفتحين على كل المذاهب الإسلامية، وعلى الأديان الأخرى، بل حتى على غير الموحدين، ويبقى الإحسان للمسالمين منهم، عنواناً عامّاً وقاعدةً عريضة، لتعاطي الشيعة مع الآخر أياً كان.
المشكلة هناك في العقل الوهابي المتحجر، الذي يعتقد أنه وحده من يمتلك الحقيقة، ولذلك خطف باقي المذاهب الإسلامية، وهمش النوازع الإنسانية والأخلاقية، لصالح القسر والإلزام وإعتناق الرأي الواحد..
العقل الذي يرى غيره كفارا مارقين، يتعين التخلص منهم بالقتل والقتل فقط، هو ما أنتجته المملكة الوهابية السعودية.
كلام قبل السلام: لا سبيل أمام البشرية كي تعيش بسلام، إلا أن تدمر المصنع وتجتث الصناع!
سلام...
https://telegram.me/buratha