{وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَاَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتي رَتَّبَكُمُ اللهُ فيها}.
انّ اولَ اساسٍ لكلّ ظلمٍ هو ان يتصدّى للموقع من ليس اهلُه، سواءً كان هذا الموقع سلطة او كرسي تعليم او مهنة او دائرة عامة او شركة او ايّ شيء اخر، ولذلك تبنى العقلاء القاعدة الذهبية التي تقول (الرجل المناسب في المكان المناسب).
ان هذا النص الوارد في زيارة عاشوراء، يشيرُ الى هذه الحقيقة، فعندما نزا على السّلطة من ليس أهلها ومن لا يستحقّها، تأسّس أساس الظّلم الذي انتج الانحراف وتالياً الابتعاد عن دولة العدل ليتكرّس، بمرور الزمن ومع استخلاف الظّالمين بعضهم للبعض الاخر، واقعاً منحرفاً.
ولذلك نرى ان الاسلام اهتمّ كثيراً في التأسيس لسلطة الحقّ، من خلال تحديد الشروط اللازمة في المسؤول الذي يتصدى لموقع، خاصّة اذا كانت سلطة يتصرف بها في أرواح الناس ودمائِهم وأعراضٍهم وأملاكهم، فلقد ذكر الامام علي بن ابي طالب (ع) جانبا من هذا التأسيس، مثلا، بقوله:
{وقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالمَغَانِمِ وَالاَحْكَامِ وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ، فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ، وَلاَ الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ، وَلاَ الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ، وَلاَ الحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْم، وَلاَ الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ وَيَقِفَ بِهَا دُونَ المَقَاطِعِ، وَلاَ الْمَعطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الاُمَّةَ}.
واذا عُدنا الى القرآن الكريم، لوجدناهُ لم يتعامل مع هذا التأسيس اعتباطاً، ابداً، وإنّما أخذ بنظر الاعتبار حاجة الموقع ونوعية الهدف المرادُ له تحقيقه، ولذلك تراه يغيّر ويبدّل مواصفات المتصدي من موقع لآخر، فتارة تقولُ الاية {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} وأُخرى تقول {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} وثالثة تقول {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} وهكذا، ما يعني ان المواصفات المطلوبة في المتصدّي تختلف من موقع لآخر ومن زمن لآخر، وكلّ ذلك من اجل تحقيق قيمة عليا واحدة هي المحور في كل الرسالات الا وهي العدل، فقال تعالى {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
لقد أخذ الغرب بقاعدة المعايير لكلّ موقع مسؤولية، فتقدّم ونجح، فهو عندما يريد ان يستخلف أحداً في موقعٍ ما لا يبحث عن الشخص محاباةً او أثرةً او محاصصة او ترضية، وإنما يبحث عمّن تنطبق عليه المعايير والمواصفات المطلوبة في مرشح الموقع، وهذا ما اكّد عليه أمير المؤمنين (ع) في عهده الى الأشتر النخْعي عندما ولاه مصر قائلا {ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً، وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ} امّا عندنا فلا يوجد شيءٌ اسمهُ معايير لا لموقع ولا في مرشح، وإنما هناك معيار واحد فقط هو القاسم المشترك لكل المواقع الا وهو الولاء، ويا ليتهُ كان للوطن او للشعب، أبداً وإنما هو للحزب الحاكم او للسلطان او للقائد الضرورة، ولذلك ترانا ندور بالمرشح بحثاً له عن موقع، وليس العكس، فهو عندنا كالطماطم يصلُح لكلّ قِدْرٍ ولكل طبخةٍ ولكلِّ وزارة، ولهذا السّبب تأخرنا وفشلنا وأضعنا فرص النجاح والانجاز السليم الواحدة تلو الاخرى.
https://telegram.me/buratha