{وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً اَسْرَجَتْ وَاَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ لِقِتالِكَ}.
يتساءل كثيرون عن معنى اللّعن الوارد في نصوص الزيارات؟ وما اذا كان اللّعن جائزاً؟ وما هي فائدته؟.
أولاً: اللّعنُ لغةً، هو الدّعاء الى الله تعالى بإبعاد الرحمة والمغفرة عن الشخص الملعون، ففي لسان العرب مثلا: واللّعنُ الابعاد والطّرد من الخير، وقيل الطّرد والأبعادُ من الله، ومن الخلق السبُّ والدّعاء. ولقد كانت العرب تُحَيّي ملوكها في الجاهلية بقولها للملك (ابيتَ اللّعن) بمعنى؛ أبيتَ ايّها الملك ان تأتي ما تُلعَن ُعليه. وفي قوله تعالى {بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ} اي أبعدهم.
ثانياً: والّلعن منهج قرآني ورد في العديد من الآيات القرانية مثل قوله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}.
{لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا* مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا}.
{وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}.
بل انّ الله تعالى خلّد اللّعنُ على شجرةٍ كاملةٍ بوسْمِها بالشّجرة الملعونة كما في قوله تعالى في محكم كتابه الكريم {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا}.
ثالثا: انّ اللّعن هو نوع من انواع التبرّي، فعندما تلعنُ احداً، اي تدعو الله تعالى لان لا يرحمْهُ، إنّما تذكّر نفسك وتُنبّهها للابتعاد عما فعل من خطأ او ارتكبَ من جريمة، من جهة، وتذكّرها بالرّقابة الإلهية وحساب اليوم الاخر، لحثها على فعل الخير، من جانب آخر.
رابعا: كما انّه وسيلة لتطهير المجتمع من النّماذج السيّئة والحيلولة دون تحوّلها الى نموذج يُحتذى، فعندما يتكرّر اللّعن بحقّ المجرمين والقتلة والظالمين، من أمثال قَتَلة السبط الشهيد (ع) الطاغية يزيد وابن مرجانة وابن سعد، فانما نساهم في تطهير المجتمع من أعمالهم من خلال التّنبيه لها والتحذير منها، كون الظّالم سيُلعن على رؤوس الأشهاد في الدّنيا قَبْلَ الآخرة.
إنّها طريقة ذكيّة لحثّ الناس على الابتعاد عن كل ما يحوّلهم الى نماذج في المجتمع لا تُذكر الا بكلّ سوء، فالإنسان بطبعه يُحبّ الذّكر الحَسن في حياته وبعد مماته، كما في قوله تعالى {وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} فعندما يتيقّن بان المجتمع سيكتبُ كلّ ما يفعله فيترحّم عليه اذا فعل خيراً وترك اثراً حسناً، وسيعلنهُ اذا فعل العكس، اي ان هناك تاريخاً يُسجّل بحقّه، عندها تراه يحرص أشد الحرص على ان يترك اثراً طيباً في حياته ليُذكر بلسان الصّدق بعد رحيله عن هذه الدنيا.
خامساً: هل ان الواجب هو ان يلهث المرء باللعن في كل صغيرة وكبيرة، اذا كان ذلك سببٌ من أسباب الفتنة؟.
برأيي، فانّ الجواب هو النفي، لأنّ وحدة المجتمع وانسجامه اهم من أيّ شيء آخر، فاذا كان اللّعن سبباً في اثارة الفتنة، فليس بالضرورة الجهرُ به، اذ يمكنك ان تدعو على عدوك بالخفاء، فلقد كان أمير المؤمنين (ع) يلعن الطاغية معاوية بن هند آكلة الأكباد سراً في قنوت صلاة الليل، كما انه لم يشأ لعنهُ علناً في كلّ تفاصيل حرب صفين لان وحدة الموقف وتركيز الجهد كان وقتها اهم من اي واجب آخر قد يُسبب تمزّق الجبهة الداخلية وتفتُّت الجهد، وهو لم يشأ ان يحوّل القضية المقدّسة التي بينه وبين معاوية الى قضية شخصيّة يوظّفها شياطين الانس والجن كابن النابغة، عمرو بن العاص، لاثارة الفتنة في معسكر الامام (ع).
ولذلك، فعندما سمع الامام عليه السلام بعض أصحابه يجهرون بسب الطاغية معاوية إبّان حرب صفّين، منعهم من ذلك قائلا {إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ، وَلكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ، وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ، كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ، وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ} ولقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص) قوله {انّي لَمْ أُبعث لعلناً، وإنّما بُعِثتُ رحمةً} وقوله في حديث آخر {لا ينبغي للمؤمنِ ان يكونَ لعّاناً}.
سادساً، واخيراً: امّا اذا كان اللّعن،ُ اي الدعاء لله تعالى على ظالم ارتكب جريمةً بحجمِ جريمة قتل أمير المؤمنين (ع) وإعلان الحرب عليه، وبحجم قتل سِبْط رسول الله (ص) سيد الشهداء الامام الحسين (ع) فانه سيكون بمثابة تحدٍ نعيشه دائماً لفضح القاتل والمجرم على رؤوس الأشهاد، لانّ جريمتهم هنا ليست كأيّة جريمة اخرى، ولذلك ينبغي فضحهم دائما لنميّز بين منهجين، المنهج العلوي والحسيني الذي يمثل الرسالة بأبهى صورها، والمنهج الأموي الّذي يمثّل الجاهليّة بكل تفاصيلها.
فلعنَ الله آل أمية وآل مروان وآل أبي سفيان، ولعنَ الله معاوية ويزيد وآبن مرجانة وآبن سعد الى يوم القيامة.
إنّهم زمرة الطّلقاء وأبناء الطّلقاء الَّذِينَ حَرّم رسول الله (ص) عليهم الخلافة، فنزَوا على السّلطة ليورثوا احفادهم ثقافة الكراهية والقتل والذبح والتدمير، والتي نراها اليوم تتكّرر في جرائم الإرهابيين، الامويّون الجُدد.
https://telegram.me/buratha