أشعر، ويشعر معي الكثير من العراقيين، انّ الدبلوماسية العراقية ضعيفة لم ترقَ بعدُ الى مستوى المهام الوطنيّة التي ينبغي ان تتحمل مسؤوليتها بجدارة، فعلى الرغم من التغيير الذي شهدته البنية الاساسية لها، الا انها لازالت ضعيفة في الخطاب والمحتوى والأدوات، لم ترق الى مستوى التحدّيات والمخاطر العظيمة التي تمر اليوم بالبلد، كما انها ضعيفة لم ترق بقوتها وشجاعتها الى مستوى قوة وشجاعة الدم الذي استرخصه المجاهدون في ساحات القتال ضد الارهاب، من أبناء القوات المسلحة والحشد الشعبي.
هي لم تواكب حتى خطاب المرجعية الذي سبقها خطوات الى الامام.
انّ جوهر عمل الدبلوماسية هو حماية العراق وشعبه من اي عدوان او تعدي او تآمر وهو بَعْدُ نوايا، وذلك بالطرق الدبلوماسية وعبر وسائل وقنوات التواصل السرية منها والعلنية، لكننا لم نلمس ان حققت الدبلوماسية العراقية اي مقدار من هذا الجوهر، فهي غالباً من تُفاجأ بالخطوات والمواقف العدوانية التي تتخذها دول الجوار على وجه التحديد، كما انها تفاجأ بمشاريع التآمر التي تحتضنها بين الفترة والأخرى دول الجوار، والتي تنتمي عادة الى الماضي الاسود الذي ينتمي اليه أيتام الطاغية الذليل صدام حسين.
ولو ارادت الدبلوماسية العراقية ان تنجز جوهر رسالتها، اعتقد ان عليها ما يلي:
الف؛ ان تضع خطة دبلوماسية قصيرة المدى وأُخرى بعيدة المدى، تعتمد دراسة علمية دقيقة تأخذ بنظر الاعتبار التحدي وطرق مواجهته دبلوماسيا وكذلك المصالح المتبادلة، تبلّغها ممثّليات جمهورية العراق في الخارج لتلتزم بها كخطة عمل لا ينبغي الاجتهاد بها عند التنفيذ الا بمقدار الضرورات وخصوصيات كل ساحة.
اشعر احيانا وانا اتابع تصريحات او خطابات او حوارات بعض الدبلوماسيين العراقيين، وكأنهم لا يعرفون ما الذي يريدون قوله او ما الذي عليهم فعله وإنجازه، الى درجة التخبّط في المواقف وأحياناً التناقض مع المركز، ما يشير بشكل واضح الى انهم لا يمتلكون خطة العمل من الأساس ولذلك فكل حركتهم الدبلوماسية عبارة عن اجتهادات شخصية وفي افضل الفروض حزبية.
وليس في الامر غرابة، فإذا كان حديث المركز فيه الكثير من الغموض والانشاء والضعف والهزال وأحياناً التناقض والتخبّط والانهزامية، فكيف تنتظر من الأطراف أداءٌ افضل؟. وان كنت لا اكشفُ سراً اذا قلت بانني اشعر أحياناً في الخطاب الدبلوماسي لبعض الدبلوماسيين في الخارج انه أنضج من المركز ومتقدم عليه في الرسالة.
باء؛ ينبغي ان يحصر المركز عملية رسم السياسات الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية فقط، فهي المسؤولة عن ذلك، وان على بقية الجهات الرسمية التي تتحرك دبلوماسياً في إطار مهامها القانونية والدستورية ان تطّلع على اخر تحديثات الوزارة بصدد البلد المعني قبل التحرك، من اجل ان لا نلحظ مثل هذا التناقض في المواقف الذي نراه ونسمعه بين الفينة والأخرى.
يجب ان نقضي على ظاهرة الكانتونات الدبلوماسية التي انتفخت وتوسّعت خلال الفترة الماضية بسبب السياسات الدبلوماسية الحزبية التي اتُّبِعتْ فيما مضى على حساب السياسات الوطنية الدبلوماسية. ان على كل مسؤول سياسي في الدولة ان يعود الى الخارجية قبل ان يزور اي بلد، لنعكس هيبة الدولة من خلال وحدة الموقف الرسمي.
جيم؛ على كل وفد يهم بزيارة بلدٍ ما ان يطلع على اخر التقارير الدقيقة والموثّقة التي تجمعت في المركز بشأن مواقفه من قضايا العراق وعلاقاته بمختلف الأطراف العراقية تحديداً، خاصة (المعارضة) التي لازالت تحنّ الى الماضي وتسعى لإعادة عقارب الزمن الى الوراء.
لا يُعقل ان يذهب وفدٌ رسميٌ الى بلدٍ ما وهو لا يعرف مثلا ان اجهزة مخابراته قدمت منحاً مالية لجماعة ارهابية تعمل في داخل العراق، وذلك قبل اقل من () ساعة على زيارة الوفد له!.
كما لا يُعقل ان يزور وفدٌ رسميٌ بلداً ما وهو لم يطلع على وسائل إعلامه التي شنت قبل اقل من () ساعة من زيارته حملة شعواء لتشويه الحقائق التي تخص العراق!. او وفدٌ اخر يزور بلدٍ ما وهو لا يعرف شيئاً عن خارطة الجالية العراقية فيه!.
ولانّ الملف الاخطر والاهم بالنسبة للدبلوماسية العراقية اليوم هو ملف الارهاب، ولذلك فان على المركز ان يهتم جداً بمتابعة كل شاردة وواردة بهذا الصدد لتكون الوفود الرسمية الزائرة لأي بلد من دول الجوار على علم بكامل التفاصيل، كالمواقف الرسمية من الارهاب وكذلك موقف الاعلام منه والمواقف الحزبية والشعبية وكل شيء آخر بهذا الصدد، ليعرف أعضاء الوفد ما الذي يجب ان يقولوه للمسؤولين فيه، وما الذي ينبغي ان يسمعه البلد المضيف.
ان الدبلوماسية الناجحة هي الدبلوماسية التي تطّلع على اكبر قدر ممكن من التفاصيل بشان الملف المزمع بحثه في الزيارة، كما انها الدبلوماسية التي تمتلك اكبر قدر من الاوراق التفاوضيّة التي يمكن ان تضعها على الطاولة عند الجلوس مع الطرف الاخر، اما الدبلوماسية التي تعتمد على (الذاكرة) فلا تحمل معها لا أوراق ولا ملفات ولا تفاصيل ولا أوراق تفاوضية فهذه ليست دبلوماسية، انما هي جلسات مقاهي لاحتساء الشاي والقهوة مع رأس او رأسين من (الشيشة) المعطّرة!.
ان ّالمجاملات الدبلوماسية على حساب الدم العراقي تُعدُّ جريمة لا تغتفر، ينبغي ان يقلل منها المسؤول العراقي عندما يزور اي بلد من دول الجوار تحديداً، اذ يجب ان يضع النقاط على الحروف ويحدد مطاليبه وهى يتحدث الى مضيّفيه، وهذا الامر لا يتحقق أبداً اذا لم يكن المسؤول الزائر على دراية كاملة بالاجواء السياسية والرسمية والإعلامية والشعبية المحيطة بزيارته.
ان الدبلوماسية يمكنها ان تحقن دماءنا اذا كانت ناجحة، وتوفر علينا الأرواح والاموال والجهود، فالدبلوماسية هي المهمة المتقدمة على أية مهمة اخرى في العلاقات مع الدول، انها الخندق الاول في العلاقات السياسية ما لم يقع السيف، ولذلك ينبغي الاهتمام بها واعتبارها اليوم مهمة استراتيجية لحماية البلاد والعباد، فالتعامل معها بسذاجة وبأسلوب العلاقات الشخصية وبالثرثرة والتلاعب بالالفاظ والغموض وتكرار الجمل، لا ينفع معها أبداً، وان على اي دبلوماسي لا يعرف كيف يتحدّث ليعبّر عن رسالة بلده وشعبه، عليه ان يتعلم ليتقن فن الحديث الدبلوماسي قبل ان يقف امام عدسة الكاميرا، فالدبلوماسية رسالة وخطاب وفن وذوق واخلاق!.
https://telegram.me/buratha