لا يحتاجُ المراقب الى كثيرِ جهدٍ ليتثبّت من حديث السيد رئيس مجلس الوزراء لقناة (الميادين) يوم امس، عندما قال (ان المملكة العربية السعودية لم ترُد لحدّ الان، بشكل إيجابي ملموس، على مبادرات العراق الاخيرة) فبجردة حساب سريعة سنكتشف بانّ نظام القبيلة الفاسد الحاكم في الجزيرة العربية لم يتعامل مع مبادرات العراق الجديدة لا في إطار الاعراف الدبلوماسية المعمول بها بين الدول ولا حتى بالأعراف (العربية) او (العشائرية) التي يتشدق بها ناهيك عن الاعراف (الاسلامية).
فعلى الرّغم من عديد الزيارات التي قام بها مسؤولون عراقيون على اعلى المستويات (رئيس الجمهورية، رئيس مجلس النواب، وزير الخارجية) الا انّ الرياض لم تبادل بغداد رد ايٍّ من هذه الزيارات على الرغم من ان العراق شهد في الشهرين الاخيرين توافد عدد كبير من المسؤولين سواء في الدول الإقليمية او في المجتمع الدولي، بعضها مثّل دولاً استعدت العراق حد الثمالة لتتوقف اليوم وتعيد النظر بكل سياساتها العدوانية إزاءه، وعلى رأسها انقرة. الرياض لم تَبِعْ بغداد لحد الان سوى الكلام المعسول والشعارات البراقة والوعود الكاذبة، لماذا؟ اين الخلل في العلاقة بين بغداد والرياض؟.
برايي؛ فان العلّة الاولى تكمن في ان نظام القبيلة مسكون بعقدة تاريخية ازاء العراق ربما سيأخذها معه الى القبر عندما نشهد باذن الله زواله الحتمي قريباً. انّه مسكون بالخوف والرعب من (سلطة الأغلبية) فهو عاجزٌ عن ان يقنع نفسه بان الواقع العراقي قد تغير () درجة عما كان عليه فيما مضى، وان الزمن العراقي لم ولن يعود القهقرى مرة اخرى، فتعود الأقلّية تحكم في إطار قاعدة (كوكس - النقيب) الثلاثية، ولذلك فهو ينتظر (المعجزة) او (القدر) ليتخلص من هذا الكابوس.
كما انه مسكون بعقدة الخوف من الديمقراطية وأدواتها والتي تكبر بمرور الزمن كلما تجذّرت وتكرّست في العراق، فنظام القبيلة، المطعون بشرعيته بكل المقاييس، لا يمكنه ان ينظر الى أقوى جيرانه وهو يكرس نظامه الديمقراطي يوما بعد اخر.
هذا يعني ان بغداد بحاجة الى انتهاج دبلوماسية من نوع اخر لاجبار الرياض على اعادة صياغة علاقاتها مع العراق بما يقلل على الأقل من خطر سياساتها الحالية على البلاد.
دبلوماسية قائمة على أساس:
الف: اعتماد مبدأ الزيارات المتبادلة، اذ ليس من الدبلوماسية بشيء ان تتكرر زيارات المسؤولين العراقيين الى الرياض من دون رد، فان ذلك استهانة بقيمة العراق المعنوية واستخفاف بهيبته. انها دبلوماسية فاشلة بامتياز، فماذا يعني ان يحزم يومياً مسؤولٌ عراقيٌ حقائبه الى الرياض من دون ان يفعل احدٌ منهم العكس فيحزم حقائبه الى بغداد؟.
باء؛ إيقاف كل انواع التنسيق بين بغداد والرياض الا على أساس خطوة بخطوة، خاصة على الصعيد الأمني فماذا يعني ان يسلّم العراق الرياض، ببن الفترة والأخرى، عناصر ارهابية مسجونة في العراق بعضها محكوم عليها بالإعدام بلا مقابل ملموس؟.
على بغداد ان لا تقدِم على أية خطوة من هذا القبيل ما لم تحصل على مقابل ملموس من الرياض يحمي مصالحها ويبعد خطر نظام القبيلة عنها.
نفس القاعدة يجب ان تطبقها بغداد على بقية القضايا، منها البترول مثلاً.
جيم؛ ان لا يُبدي العراق بحركته الدبلوماسية تجاه الرياض تهالكاً، وكأنه يهواها بأيّ ثمن، او بلا ثمن، فان ذلك يدفع الرياض لتتشبّث اكثر فاكثر بمواقفها العدوانية، فليس من الحكمة أبداً ان تُشعر خصمك انك بحاجة ماسة اليه، ولتضع بغداد نصب عينيها دائماً التاريخ الاسود للعلاقة مع الرياض على الأقل منذ تاسيس (دولة آل سعود الثالثة) ولحد الان، فهل يمكن مثلاً ان ننسى مساعي (آل سعود) في ضم العراق لسلطتهم بُعيد الحرب العالمية الاولى طمعاً به؟. ما الذي يمكن ان تستفيده بغداد من الرياض اكثر من تحييدها، فلا تظل تدعم الارهاب في العراق؟.
دال؛ اعتماد مبدأ الشفافية في التعامل مع العلاقة مع الرياض، حتى لا يُلام العراق على اي فشل بهذا الصدد، ليطلع الرأي العام العراقي والعربي والعالمي على حقيقة المواقف البائسة وردود الفعل السلبية التي تواجَه بها الدبلوماسية العراقية من قبل نظام القبيلة.
هاء؛ كما يجب توظيف الاعلام لفضح السياسات العدوانية التي ينتهجها نظام القبيلة تجاه العراق.
واو؛ وانّ لتجاهل بغداد الرياض والاتجاه صوب بقية عواصم المنطقة والإقليم والمجتمع الدولي سيجعلها تهرول صوب العراق، فهي لا تتحمّل ان ترى نفسها في نهاية القافلة او على الهامش او مركونة على الرصيف بلا دور، وهي تنظر الى الترتيبات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي يقودها العراق في المنطقة وبدعم دولي نادر، خاصة وان نظام القبيلة اليوم يفقد تأثيره الكبير المعهود في المنطقة، خاصة في البؤر الساخنة، شيئاً فشيئاً.
كلّ ذلك بالتوازي مع الدبلوماسية الإيجابية التي تنتهجها حكومة الدكتور العبادي من اجل الدفع باتجاه بناء ما وصفه السيد رئيس مجلس الوزراء بعملية (تشابك المصالح) بين كل دول المنطقة، لحماية المصالح المتبادلة لكل الأطراف.
https://telegram.me/buratha