كَونُ المسيرةِ المليونية هي لاحياء الاربعين، لذلك فان من اكثر المشاهد العاشورائيّة حضوراً فيها هو الخطاب التاريخي الذي ادلى به الامام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليه السلام في مجلس الطاغية يزيد بن معاوية لعنهما الله.
فلقد قال الامام في خطابه؛
أيها الناس؛ أعطينا ستاً، وفُضّلنا بسبعٍ، اعطينا العلم.....
ولو لم يقل الامام عليه السلام غير هذا لكفى به خطاباً تاريخياً لا يضاهيه ايّ خطابٍ آخر في العالم الى يوم يبعثون، وهل غير أهل البيت عليهم السلام يجرؤ على هذا القول؟ هل غيرهم يجرؤ ان يدعي ويقول انّني عالِم؟ هل غير امير المؤمنين عليه السلام يجرؤ فيقول {سَلوني قَبْل أنْ تفقُدوني}؟ هل غيره يجرؤ على القول انه يحمل في صدره مليون نوع من العلوم عندما قال {علّمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألفَ بابٍ من العلم وتشعب لي من كل باب ألفَ بابٍ} بألفاظ مختلفة؟ هل عند غير امير المؤمنين (ع )علوم الاوّلين والاخِرين فنقرأ في نهج البلاغة كل فنون العلم الذي يقسّمه الامام الى نوعين هما علم الأديان وعلم الابدان؟.
فقط أهل البيت عليهم السلام الذين هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بهم فتح الله وبهم يختم، يجرؤون على القول بانهم علماء.
والّذين يسيرون اليوم زحفاً الى حيث مثوى العشق الإلهي وكعبة الاباء والكرامة الانسانية والعزّة، يتطلعون الى ان ينهلوا من أهل البيت (ع) علماً نافعاً يساهم في تغيير الحال الى الأفضل والاحسن، فلقد قال امير المؤمنين عليه السلام للصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري {يَا جَابِرُ، قِوَامُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا بِأَرْبَعَة: عَالِم مُسْتَعْمِل عِلْمَهُ، وَجَاهِل لاَ يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَتَعَلَّمَ، وَجَوَاد لاَ يَبْخَلُ بِمَعْرُوفِهِ، وَفَقِير لاَ يَبِيعُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ; فَإِذَا ضَيَّعَ الْعَالِمُ عِلْمَهُ اسْتَنْكَفَ الْجَاهِلُ أَنْ يَتَعَلَّمَ، وَإِذَا بَخِلَ الْغَنِيُّ بِمَعْرُوفِهِ بَاعَ الْفَقِيرُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ}.
الا ترَونَ معي انّ هناك أشكالٌ ما وتناقضٌ صارخٌ بين ان نمتلك أهل البيت (ع) وننتمي اليهم وبين ان يعيش مجتمعنا الجهل والامية والتخلف الفوضى على كلّ المستويات؟.
ان العالَم اليوم يتسابق على كسب العلم ويتفاخر بفضيلة العلم، ونحن الذين يعيش أهل البيت عليهم السلام بكلّ جوارحنا وعواطفنا، فنحيي ذِكراهم ونقيم مآتمهم على طول ايّام السنة وخاصة في مثل هذه الايام العظيمة، ترانا نعيش حالاً يُرثى لها؟ لماذا؟ أوَليس المنبر الحسيني مدرسة؟ اوليست الشعائر الحسينية مدارس؟ أوَليست هذه الزيارات المليونية مدرسة؟.
هل يُعقل ان نموتَ عطشاً وغديرُ الماءِ يجري من أمامنا ومن تحتِنا؟ هل يجوز ان نموتَ جهلاً ومصدرُ العلم في متناولنا ومن حولنا؟ هل يحقّ لنا ان نظلمَ انفسنا فلا نتعلّم ومنبعه بين أيدينا؟.
ما العملُ اذنْ؟.
لا شكّ اننا نعيش أزمة تعليم خطيرة جداً، سببها فشل المناهج والخطط والمشاريع التعليمية، الى جانب ضعف الأدوات بكلّ اشكالها، ولذلك فإذا اردنا ان نحقّق نهضةً علميةً وقفزةً نوعيةً بهذا الصدد فانّ علينا ان ننتبه الى واقعنا التعليمي لنعيد دراسة المناهج والخطط والمشروع التعليمي وأدواته من الأساس، على يد خبراء متخصّصين يعتمدون الدراسات الحديثة القائمة على مبدأ المسح الميداني والإستبانات العلمية بعيداً عن اي نوع من انواع الفوضى والانشاء، وكذلك بعيداً عن كل مفاسد السياسة والمحاصصة وغير ذلك.
وأقول بصراحة، فان البلد لا يمكن بناؤه بالشعارات، وقبل ذلك فان اعادة صياغة الانسان لا تتحقّق لا بالعواطف ولا بالتهريج والحوارات الصاخبة، وإنما بالعلم الذي يجب ان يحضر في كلّ مفاصل حياتنا.
للاسف الشديد فبسبب الظروف القاسية التي مرّت على مجتمعنا منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام ولحد الان، فلقد تاخر التعليم عندنا وتراجع كثيراً، ولا ننسى اننا ورثنا تعليماً محطماً بسبب السياسات المدمّرة التي قاد بها النظام البائد العراق الى الهاوية، فالحروب العبثيّة اعدمت اجيالاً كاملة من العراقيين، كما انها سرّبت اجيالاً اخرى كاملة الى الشوارع والمقاهي، فيما جنّدت اجيالاً كاملةً اخرى في عصابات الجريمة المنظمة وغير ذلك.
انّ مسيرة الاربعين المليونية فرصة للانتباه الى الذات، لنعيد النظر في الكثير من حساباتنا، منها وعلى رأسها التعليم، فليكن شعارنا المفضّل بعد عودتنا من الزيارة قول الامام {أُعطينا العلم} لنعوّض عمّا فاتنا من الوقت بعيدين عن المدرسة وعن الجامعة وعن القراءة وعن طلب العلم بكلّ الأشكال.
لنُطلق مشروع [من أجلِ الحسين (ع) نطلب العلم] فيعود العراقي كما كان في السابق يهتم بالدراسة ويهتم باقتناء الكتب وإنشاء المكتبات الشخصية، فلا شيء يغني عن الكتاب أبداً، وانّ من يتصوّر ان شبكات التواصل الاجتماعي بكل اشكالها تغنيه عن الكتاب والقراءة فانه واهمٌ بل مخطئ، بل انها تترك الأثر العكسي بكلّ تاكيد، لانها تحمل من الكذب والتزوير والتضليل والغش والدجل الشيء الكثير جداً، ولذلك فهي تساهم في تسطيح الوعي بدرجة كبيرة.
لنُطلق حملة تعليميّة وطنية كُبرى، فالجهل والتخلف والامية باتت تزحف علينا بشكل مرعب.
ليسأل كلّ واحدٍ منّا نفسه؛ كم ساعة يقرأ في اليوم الواحد؟ بل في الاسبوع الواحد؟ بل في الشهر الواحد؟ بل في العام الواحد؟ نعم في العام الواحد؟.
ان شعباً لا يقرأ لا يبني أبداً، وان شعباً يغيب العلم من صفوفه يظل شعباً مستهلكاً ومتخلفاً وفوضوياً كلّ عمره، وهذا هو حالنا اليوم.
https://telegram.me/buratha