في حربه على الارهاب، فان بغداد بحاجة الى جارين في موضوعين؛
الجار الاول؛ هو تركيا التي تحتفظ بكامل ملفات الارهابيين وخرائط تنظيماتهم وتشكيلاتهم، القاعدية منها والقيادية، كونها كانت، ولا تزال، المحطة الرئيسية التي ينتقل اليها ومنها الارهابيون من مختلف دول العالم ليتسللوا الى العراق وسوريا، ولذلك فهي الاقدر، من بين كل جيران العراق، على تقديم المساعدة الاستخباراتية والتعاون في مجال المعلومة، مع بغداد لتسهيل مهمة حربها على الارهاب.
الجار الثاني؛ هو نظام القبيلة الحاكم في الجزيرة العربية وكذلك في قطر، والذي يحتفظ بخارطة وتفاصيل حركة المال العام الذي يتجمع عنده ويتسرب منه الى الارهابيين في العراق وسوريا، ولذلك فان الرياض والدوحة هما، الاقدر من بين كل جيران العراق، على مساعدة بغداد في تجفيف مصادر التمويل المالي للارهابيين.
وأضفتُ متحدثاً قبل قليل على الهواء مباشرة للقناة المصرية الفضائية:
فاذا كشفت انقرة عن خرائط التنظيمات الإرهابية وبتفاصيلها للعراق، وكشفت الرياض والدوحة تفاصيل خرائط ومسارات حركة المال للتنظيمات الإرهابية للعراق، فستكون زيارات المسؤولين العراقيين الى دول الجوار، وعلى راسهم رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، قد حققت اختراقات مهمة في العلاقات الثنائية بين بغداد ومختلف دول الجوار، من بوابة الحرب على الارهاب، والتي باتت تمثل اليوم المصلحة المشتركة بين كل دول المنطقة، فضلا عن المجتمع الدولي.
ومن هنا تأتي اهمية زيارة الدكتور العبادي الحالية الى انقرة، فلقد سمعناه جميعاً يتحدث عن التعاون الاستخباراتي بين انقرة وبغداد بشكل موسع وبكل ثقة، فاذا تحقق هذا الامر بالفعل فستكون بغداد قد اقتربت شيئاً فشيئاً من الحسم في حربها ضد الارهاب، خاصة وانها اليوم تمتلك كل هذا الدعم السياسي والدبلوماسي والتسليحي من المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية وعدد من الدول الأوربية، فيما تتقدم القوات المسلحة العراقية، مدعومة بالحشد الشعبي والبيشمرة، اكثر فاكثر لتحقق كل هذه الانتصارات العسكرية الباهرة.
وبرأيي، فان انقرة ستبادر للتعاون مع بغداد في مجال الاستخبارات والمعلومات في كل ما يخص الجماعات الإرهابية، وذلك لعدة اسباب:
السبب الاول؛ هو فشلها الذريع في اختراق جبهة الحرب في سوريا، فبعد اربع سنوات من الحرب هناك تراجع المجتمع الدولي عن خيار إسقاط النظام بالقوة ليبحث عن حلولٍ سياسية، ما يعتبره المراقبون هزيمة سياسية ماحقة لأنقرة التي راهنت على الموقف الدولي لاسقاط النظام في سوريا، ولذلك فهي ترى نفسها الخاسر الأكبر الذي خسر الرهان في وضح النهار، بعد ان وضعت كل بيضاتها في سلة واحدة من دون ان توفر منها شيئا يُذكر لمثل هذا اليوم. ولهذا السبب فهي تحاول ان تعوّض هذا الفشل وهذه الهزيمة بفتح صفحة جديدة مع بغداد، الامر الذي يَصْب في مصلحة البلدين، والذي يمكن ان يكون ثمن التعاون الاستخباراتي والامني المنشود.
السبب الثاني؛ هو فشلها الذريع في اختراق جبهة الأزمة المصرية، فبعد ان وضعت انقرة كل رأس مالها ورهانها في حكومة (الاخوان) المخلوعة ضد النظام المصري الجديد، معتمدة بموقف قطري (صلب) اذا بها تواجه انهياراً غير متوقع في الموقف القطري والذي وصل الى حد التضحية بقناة (موزة) وفقيهها لصالح شراء موقف مصري إيجابي، وبذلك ترى انقرة اليوم نفسها وحيدة فريدة في مصر.
ولهذا السبب فهي تحاول التعويض بعلاقة جديدة مع بغداد، الامر الذي يَصْبّ في مصلحة البلدين كذلك.
السبب الثالث؛ وهو مهم جداً، انّ انقرة بدأت تستشعر بنار الارهاب التي بدأت تلامس ذيلها، خاصة بعد ان نجحت واشنطن في تشكيل حلفها الدولي في الحرب على الارهاب والذي وصل عدد أعضائه الى اكثر من () دولة حول العالم فليس من الحكمة في السياسة ان تبقى انقرة تتفرج مثلاً او تتمنّع او ما أشبه، فقررت دخول الحرب أخيراً، ولان أبواب سوريا موصدة بوجهها، لذلك لم يبق أمامها الا بغداد لتلج من خلالها لهذا الحلف ولهذه الحرب.
السبب الرابع؛ وهو ما يتعلق بموضوع النفط المار الى السوق العالمية عبر الاراضي التركية، والذي يعتبر بالنسبة لأنقرة فرصة تجارية كبيرة لا يمكن التفريط بها، ربما ساقتها لها الاتفاق النفطي الأولي الذي توصلت اليه بغداد مع الإقليم.
ولكلّ ذلك ارى ان زيارة العبادي الحالية الى انقرة جاءت في الوقت المناسب، بل في الوقت المعلوم.
فهل ستحقّق الزيارة ما يصبو اليه العراق في حربه على الارهاب؟.
ما علينا الا الانتظار، فالأتراك لا يمكن الوثوق بوعودهم ما لم يترجمونها الى عمل.
https://telegram.me/buratha