باقر العراقي
قد يختلف مفهوم السياسة من فترة زمنية لأخرى، حسب التطور الاجتماعي والاقتصادي والديمقراطي معا، وتختلف معه الأساليب المتبعة لنيل المكاسب السياسية من كيان سياسي الى آخر، وهذا هو بحد ذاته تطور إيجابي، ولكن السؤال يكمن في مدى صحة هذه الأساليب وتقبلها اجتماعيا وأخلاقيا.
منهم من يعرف السياسة بأنها فن الممكن، أو الحصول على المكاسب في أرخص الطرق المتبعة، ومنهم من يصفها بالقدرة على تقبل الآخر وخدمته، والكل يدعي صحتها وفق منطلقاته وثوابته الأخلاقية، وهذا المنطلق لا يختلف عليه اثنان، لأن خدمة المجتمع من خلال السياسة يعد من أكثر الطرق صعوبة وأوحشها.
هناك مفاهيم أخرى وتعاريف أخرى، تعتبر أكثر أخلاقية مما قلناه، فقد استخدمت سابقا من قبل الأنبياء والأوصياء والصالحين، وبالتأكيد هي أصح من كل الذي ذكرناه، لأنها لا تنطق عن الهوى وتخالف النفس الأمارة بالسوء، وهذا هو الجدل الحقيقي القائم الآن في الأوساط السياسية، وهو هل نحصل على السلطة كي نخدم الجميع؟، أو نجعل الجميع في خدمتنا.
المعصومون كالرسل والأنبياء والأوصياء، سيرتهم معروفة وخدمتهم جلية وتطبيقاتهم واضحة، وهم الأثبت أخلاقيا، والأبعد عن حب الذات، والأقرب الى مصلحة المجتمع، هذا لا يختلف علية كل ذي لب، ولكن ماذا عن غيرهم من البشر؟
هنا في العراق مثلا الأكثرية تدعي انتمائها للمعصومين أو ولاءها لهم، والأقلية تدعي احترامها وتبجيلها لخدماتهم الإنسانية، وتكاد تكون معارضتهم لا تذكر، إذن فطريقهم الأصح وسياستهم الأنصع بياضا والأنصح أخلاقيا.
إن فترة حكم البعث والديكتاتورية، كانت الأكثر ترويعا للفكر المخالف، والأكثر قمعا، ومع ذلك تدعي الولاء للمعصومين في أحيان، وتدعي احترامهم في فترات أخرى، ولا تقبل الاختلاف معهم، طبعا بالكلام لا بالسلوك.
المعتاد أن يُأخذ بكلام المسؤول قبل فعله، فذاك متوارث اجتماعيا، اسمه "فوبيا الحاكم"، ورثناه من القرون السابقة أيام الأمويين والعباسيين والتتار والمغول والعثمانيين، ومن تلاهم بالظلم والاضطهاد، مرورا بالديكتاتورية البغيضة، ووصولا إلى ديمقراطيتنا المنفلته التي يتحكم بها حاكم واحد، والذي لازال يسرق رغيفنا ويتصدق علينا بثلمه منه، ثم يعضنا وعلينا تصديقه.
إن السياسة سلوك وليس كلام فقط، ولا بأس أن يكون هناك كلام للتعريف بالأفعال اللاحقة، وهذا ما يسمى بالبرنامج السياسي للكيان أو الشخصية السياسية، ولابد أن يكون هناك تطابق قدر الإمكان بين الكلام والفعل السياسي، إذن فالسياسية رسالة لا ينبغي أن يحمل لواءها كل من هب ودب، وإنما من يستطيع الانتصار على نفسه، ويخدم الناس.
30/5/150101
https://telegram.me/buratha