دَخَلَ حكيمٌ بهيئة المجانين على معاوية بن أبي سفيان، فأراد الاخير ان يستهزئ به فسأله ان كان يحفظُ شيئاً من كتاب الله العزيز؟ فأجابه الحكيم؛ نعم اعرف الكثير وأحسن المعرفة.
فطلب منه معاوية ان يسمعه شيئاً، فقرأ الحكيم قول الله تعالى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ* وَرَأَيْتَ النَّاسَ [يَخْرجونَ مِنْ] دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}.
قاطعهُ معاوية قائلاً له؛ ويحك! فلقد اخطأت، والصحيح هو {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} فردّ عليه الحكيم (المجنون) على الفور قائلاً:
نعم، كان ذلك على عهدِ رَسُولِ الله (ص) امّا في عهدكَ فانّ النَّاسَ يخرجون من دين الله افواجاً!.
لقد خطرت في بالي هذه القصّة وانا أُتابع مسيرات الاحتجاج التي تجتاح اليوم عدة مدن ألمانية لرفض محاولات ما يسمّونه بـ (أَسلمة اورا).
فما الذي دفعهم الى ذلك في هذا الوقت بالذات؟.
لقد فشل المسلمون في تقديم النموذج الصالح والسليم والصحيح للإسلام، ولذلك باتت شعوب العالم تخشى من الاسلام لانها تراه من خلال نماذج حقيرة وسيئة للغاية.
فالناس لا تبحث عن الاسم والرسم لتحتضنه وتقبله وتختاره، وإنما تبحث عن واقع حقيقي يتجلّى بنموذج صالح وسليم، ينتشلها من الضياع الروحي والمعنوي الذي تعيشه البشرية اليوم، بعد ان تحوّلت المادة في حياتها الى كل شيء.
وإنما انتشر الاسلام على عهد رسول الله (ص) فدخل الناس افواجاً في دين الله تعالى، لمِا لمسوا فيه من قيم نبيلة ومعنويات رفيعة واخلاق راقية ومناقبيات إنسانية عظيمة، فوصف رب الجلالة نبيّه بقوله {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقوله تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} فهل ان النموذج الذي يقدّمه المسلمون اليوم للبشرية هو نفس النموذج الذي قدّمه رسول الله (ص) للبشرية؟.
بالتأكيد كلا وألف كلا.
فعندما يكون نموذجهم في نظام الدولة هو نظام القبيلة الفاسد الحاكم في بلاد الحرمين الشريفين، الذي يمنع المرأة من سياقة السيارة، ويقطع يد السارق بطريقة مقرفة اذا ما احتاج الى درهم يشتري فيه شيئا يسد به رمق اهله وعياله.
واذا كان نموذجهم نظام (الخليفة ابو بكر) الذي يحز الرقاب ويجلد الأبرياء لأتفه الأسباب، ويستولي على أموال الناس وأملاكهم ويبيع نساءهم في سوق الرقيق.
واذا كان نموذجهم نظام (الاخوان) الذي ما ترك موبقةً الا عملها في اقل من عام من حكمه لمصر الكنانة، كان أسوأها قتل وسحل الشيخ الشهيد حسن شحاتة، امام مراى ومسمع العالم كله من دون ان يحرك النظام (الاسلامي) النموذجي ساكناً.
واذا كان النموذج حكم (طالبان) التي كادت ان تعيد أفغانستان المقهورة الى العصور الجاهلية عندما منعت حتى التعليم عن النساء، وهدمت التاريخ والحضارة والمدنية واعتدت على كل مظاهر الحياة العصرية.
اذا كانت هذه هي النماذج التي يقدّمها المسلمون لشعوب العالم، فهل يُعقل ان ننتظر منها التصفيق والتهليل والتكبير والتمجيد لاستقبال المسلمين الفاتحين الجدد؟ ان الغبي فقط هو الذي ينتظر مثل هذا الشيء الذي يتناقض مع المصلحة الدينية والأخلاقية فضلا عن الدنيوية.
اننا مسؤولون اليوم، خاصة علماء الامة وفقهائها ومراجعها ومؤسساتها التعليمية ومراكزها البحثية، امام الله تعالى وامام رسول الله (ص) الذي تصادف يوم غد ذكرى ولادته الميمونة والشريفة، مسؤولون مسؤولية مباشرة في انتشال الاسلام من هذه النماذج التي اختطفته ثم راحت تتصرف به كيف تشاء وانى تشاء.
علينا ان نبذل قصارى جهدنا لإعادة تصحيح النموذج (الاسلامي) بما ينسجم وحقيقة دين الله تعالى، الذي بعثه الله سبحانه وتعالى نعمة ورحمة للناس كافة، فأين هي الرحمة في هذا النموذج الذي يقدّمه الارهابيون ومن يقف وراءهم من أنظمة قبليّة فاسدة ووعّاظ سلاطين وفقهاء تكفير؟.
لقد وظّف نظام القبيلة كل شيء من اجل ان يحصر النموذج (الديني) الذي يقدمه للعالم فيه دون غيره، فأسس المدارس والمراكز والمساجد في مختلف دول العالم، ونشر (الدعاة) في كل مكان لاقناع الرأي العام العالمي بانه النموذج الصحيح والسليم لدين الله، فكانت النتيجة هذه الرّدة من قبل شعوب أوربا اليوم وغيرها غداً. واذا كانت الشعوب العربية والإسلامية غير مقتنعة بهذا النموذج اذ ترى فيه التخلف والتزمت والقتل والذبح والتدمير، فكيف ننتظر من غيرنا ان يقتنع به؟.
انّني احذر من ان العالم سيشهد انتفاضة عارمة ضد كل ما يتسمى بدين الله تعالى اذا استمرت شعوبه تتلقى هذا النموذج كممثل وحيد له في عصرنا الحاضر، الامر الذي سيخلق أزمات اجتماعية معقّدة تضع العالم، وخاصة المسلمين في بلاد الغرب، على كف عفريت.
علينا جميعاً ان نعالج هذا الامر من خلال نسف هذا النموذج السيء والتبرّؤ منه وفصله عن دين الله ومحاصرته وتعريته وفضحه لتقديم النموذج السليم، من خلال اعتماد ثقافة الحوار والوسطيّة والاحترام المتبادل ومبادئ مثل حرية الأديان والعقيدة والمعتقد واحترام الخصوصية، ورفض التزمت واحتكار الحقيقة، وثقافة الحب والوئام بعيداً عن كل انواع التباغض والكراهية وبكل اشكالها.
https://telegram.me/buratha