باقر العراقي
الطائفية الدينية والعنصرية العرقية أو القومية، والاستئثار بالسلطة وممارسة الاستبداد القائم على أساس الاختلاف، واستغلال الدين والطائفة هنا وهناك، لزيادة الهوة بين أفراد المجتمع، ولأغراض سياسية تتعلق بالوصول إلى السلطة، كل هذه الممارسات البغيضة لا يسعها إلا التطرف.
أما الاعتدال أو الوسطية، فعكس التطرف، وهو أن تنصف الآخر من نفسك، وبشكل عام المصطلحان متضادتان في السلوك والتفكير، وبالتأكيد بالشخصيات الممارسة لكل منهما، فالنبي العظيم والأولياء والصالحون، كانوا معتدلين، بينما كان المشركون متطرفين متزمتين، و"غاندي" و"مانديلا" يتمتعان بقدر كبير من الاعتدال والوسطية، بينما "هتلر" و"موسوليني" وكل القيادات الديكتاتورية، كانوا موغلين في التطرف.
السلام الوطني- الأمان المجتمعي-المحبة بين الناس- قبول الآخر- إبداء الاحترام- الوئام بين الأديان- وبناء الوطن، تأتي كلها من الاعتدال، بينما خراب الوطن وتفكيك المجتمع وزرع العداوة والبغضاء بين أفراده، وسفك الدماء، وأنواع الإرهاب المختلفة، كلها أمور يصنعها التطرف.
من يملك عقلية الاعتدال والوسطية، يبني أمه كاملة، فمن بين ركام القبلية والعصبية، تم جمع المتعصبين والمتشددين من الأعراب والعجم، وجعلهم دولة عظيمه مترامية الأطراف بين الشرق والغرب، فهل يستطيع صاحب العقل المتطرف؛ أن يجمع أفراد عائلته تحت سقف واحد؟.
المؤتمر الوطني للحوار بين الأديان والمذاهب، الذي عقد في مكتب الحكيم في بغداد، وبحلة رائعة من الترتيب والتنسيق، لم يكن محض صدفة، ولم يكن ارتجاليا، وقد يكون عمل مضني لسنوات، وتمتد جذوره لعقود من الزمن، فهو المؤتمر الذي جمع كل الديانات في أرض العراق، وفيه التقى الأضداد، وتقاربت المتناقضات.
دعوة الرئاسات الثلاث لمؤتمر ديني، ووجود كل ألوان الطيف السياسي العراقي، يوحي بأن للسياسيين دور مهم؛ في تكوين قيم الاعتدال الديني والوطني لدى المجتمع، أما عدم حضور "المتطرفين" بكل ألوانهم الباهتة، يدل على أنهم يرفضون هذا التوجه المعتدل، لأنه يطيح بعروشهم المتشددة.
خسرت بلدان كثيرة من تجربة التطرف والتعنت، وتبعهم في هذه التجربة بعض سياسيينا بغباء مدقع، أدى إلى هذه النتائج الكارثية، فلم نجني سوى شعب نازح، وثروة مبددة، ووطن محتل وعلى حافة الانقسام، فهل علينا تكرار تجربة التطرف السابقة؟، أم المضي مع الوئام، والفكر الحكيم.
https://telegram.me/buratha