أمل الياسري
النفط عندما يتحكم بالمساحة والساحة, فإن ذلك يعني إرتباطه بالسياسة, وهنا يكمن مقدار العلاقة بين الثروة والسلطة, وبالتالي نشوء سياسة خلط الجيد بالرديء تحت عنوان الغش والتدليس, وهو فساد ما بعده فساد, لأن المحصلة ستكون عدم قدرة البلد على النهوض, والوقوف في حال الأزمات, وهذا ما حل بالعراق.
من المفارقات التي نجدها في المشروع الأمريكي, أنها تحترم حقوق الإنسان,وتسعى لرفاهيته وحريته, ولكنها تغض الطرف عن حقوق المليار مسلم وثرواتهم, فهي تنظر اليهم على أنهم خزين إستراتيجي لهم يؤمن إستمرارية مشاريع الإستكبار العالمي, ويمثلون ذهباً لا ينضب سواءً أكان ذلك بالتصريح أو بالتلميح.
المتتبع لواقع الإقتصاد العراقي يرى أنه إقتصاد ريعي, يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط خاصة في مجال الإستثمار, مع غياب شبه كامل لإيرادات القطاعات الأخرى, مما جعله عرضة للمتغيرات الخارجية, لذا فإن الإصلاحات القصيرة المدى لم تسهم في بناء منظومة إقتصادية رصينة, وإنما على العكس إزدادت الهياكل الإدارية والهيئات غير المرتبطة بوزارة والدرجات الخاصة, وكله أدى الى زيادة النفقات غير المبررة, مع عدم معرفة الشعب أين ذهب الفائض من الموازنات الإنفجارية السابقة.
الموازنات الإقتصادية السابقة إعتمدت على خطط غير مجدية, إما لأن الخطة تأتي قاصرة عن توقع ما موجود فعلاً من إمكانات, أو لأنها متفائلة في مجالات أخرى, أو أن الموازنة لا تزال مجرد بنود ولم ترتقي لتصبح موازنة برامج وأداء, والتي من المفترض أنها الأقوى لتنفيذ الخطط الإقتصادية, ولكن هذا لا يعد نمواً متقدماً لأن العراق ما زال أحادي الإقتصاد, ويشهد تراجعاً كبيراً في قطاعي الزراعة والصناعة.
عدم اليقين الإقتصادي الذي عانته حكومة الفشل السياسي, وقلة الإحتياطي المالي الوافي وعدم واقعية السياسة الإقتصادية غير المنتجة, هو ما جعل المشروع الأمريكي نافذ النجاح في العراق, لأنها جعلت النفط وهبوط أسعاره ورقة ضاغطة على دول مثل العراق, لتدفع بالإيرادات بإتجاه التراجع, وينعكس ذلك في تدهور إقتصادها لتقزيم الدور الذي يلعبه العراق على المستوى الإقليمي, ولا شك أن التحديات كبيرة جداً, ولكن السعي الجاد من الحكومة لتجاوز الأزمة, يكمن في التوافق السياسي وتطوير سياسة إقتصادية منطقية فعالة من قبل رجال شرفاء, وكذلك النهوض بمثلث التنمية الإقتصادية, وهي النمو الإقتصادي والتقدم الإجتماعي وحماية البيئة, ليزدهر أمل جديد لإقتصاد أمة عظيمة.
النفط عند النرويج نعمة عظيمة, لأنهم عرفوا كيف يستخدمون هذه النعمة لرفاهيتهم, كما ضمنوا حصة لأجيالهم القادمة, حيث أنشاؤوا صندوق المستقبل, ليكون أملاً وأماناً لهم, أما في العراق, فالنفط لعنة على الشعب, لأن الفاسدون ينهبون خيرنا, والمظلومون يعيشون تحت خط الفقر, وكأني بالطفل العراقي بعد عقد من الزمن يقول: أبهذا الإسراف أهلكني أبي؟.
https://telegram.me/buratha