زيدون النبهاني
يَصْعب فِهم خيوط التأثير السياسي، وما نظنه قصيراً، هو في الحقيقة متفرع جداً، وعابر للحسابات التي غالباً ما تكون غير مدروسة، أو لَيسَتْ دقيقة، تفتقر إلى التحليل الموضوعي، ومحاولة الإستفادة من المعطيات.. فتؤدي إلى نتائج منقوصة، لا تلبي حاجة المتلقي في فهم ما يدور حوله، فيترجم الأحداث بلغة الصدف العابرة، التي لم يخطط لها مسبقاً.
معروفٌ في السياسة لا يوجد عدو او صديق دائم، وفي العلاقة التي تجمع قطر بالسعودية، يتجسد مصداق هذه المقولة.. فالخصام الطويل بين البلدين وجد منفذ للتصالح، من خلال الإشتراك بالهدف الأسمى لسياسة الدولتين، اللذان إعتمدتا نفس الأسلوب في الحفاظ على حكم العائلتين، وإختلفتا بالمنهج والفكر والوسائل.
كان التطرف بالدين خيار الطرفين، فأسست السعودية الوهابية، بالمقابل نجد الأخوان المسلمين تنظيماً حظي بدعم قطر، قد يكون الأصل واحد.. سواءاً بالعلماء او المنظرين لكلا التنظيمين، لكن الإختلاف في التطبيق كبير جداً، وهو سبب الشرخ الرئيسي في علاقة الدولتين.
تربعت السعودية بواسطة تطرفها الوهابي، على عرش التأثير في الطائفة السّنية، لسنوات عدة إستثمروها جيداً، فكتبوا ونشروا ومنعوا وحرموا وجندوا، وكأن ديناً جديداً ظهر في بلاد المسلمين، وعلى الجهة الإخرى نجد تنظيم الأخوان محاصر وضعيف، يظهر مرة بمظاهرة صغيرة ومرةً بوقفة إحتجاجية عقيمة، لَمْ يتجاوز دورها المناطقية الضيقة، لذلك لم يكن للأخوان أي تأثير يُذكر، قياساً بالتنظيم الوهابي صاحب التأريخ والتأثير والمساحة.
الساحة السنية في بلاد المسلمين ملعب الطرفين، وأجتمع كلاهما في كثير من المخططات بالفكرة والتطبيق، السبب هو المصلحة العليا للبلدين، والشواهد في متناول الجميع، للذكر لا الحصر تحرير الكويت وسقوط صدام والسوفياتية، لكن تصارع المنهجين (الوهابي والأخواني) ظهر بقوة، بعد ما وصف بالربيع العربي.. وحمله ملامح تغيير شكل خارطة الزعامة السّنية في الدول العربية، وهنا بدأ الأخوان يأخذون حيزاً من التأثير والسعودية تحاول تدارك الأمور.. في مصر، تونس، ليبيا، سوريا، في كل البلدان التي ذكرنا.. الصراع موجود بين الفكرين، اذن لماذا يغيب في العراق؟
السعودية تغيب عن دعم سنّة العراق وتلتزم الصمت.. حيال أوجاع الموصل وتكريت والانبار، تصمت أزاء كل جرائم داعش بحقهم وسلبها لأرواحهِم وحريتهِم، وتنادي بين الفينة والإخرى بحقوقهم التي سلبها الشيعة! هنا يظهر جلياً "صراع المصالح" والغلبة مؤكداً لمصلحتهم العليا.
المملكة وجدت بداعش "الضد الفكري لها" والمدعوم قطرياً.. سبيلاً لقطع إمتداد محور المقاومة، الذي يبدأ بإيران وينتهي بحزب الله مروراً بسوريا، كما إعتبرت إشعال جبهة أُخرى في العراق بعد سوريا واليمن، يُضعِف تنامي الدور الإيراني في المنطقة ويقلل من إحتمالات تهديد الجمهورية الأسلامية.. للدول الراضخة للغرب وأسرائيل، في كل الأحوال الرؤية الغربية حاضرة والتكتيك الأسرائيلي هو المعتمد.
الحقيقة في غياب الدور السعودي بعد احداث الموصل مقصود، وهو ليس كما معلن بالتأكيد، فلا يمكن ان نتوقع ممن رعى الفكر وأنشأ التطرف، ان ينأى بنفسه عن دعمه وتقويته، في الوقت ذاته لا يمكن إنكار الصراع الوهابي_ الاخواني، على المستويين الإقليمي والعالمي، لكن معركة العراق مختلفة بالنسبة لهم، إنها معركة التطرف ضد الامتداد الشيعي الذي يقلق منامهم.
هذا التصالح بين الفكرين، لَمْ يتمكن من تسوير هذا الإمتداد بل على العكس، أصبحَ سبباًً لقوته وتماسكه وإنتشاره.. اليمن والعراق وسوريا خير دليل لإنهزام التصالح القطري السعودي، وما ستؤول له الإمور في القريب العاجل، هي العودة من جديد لمسلسل تخاصم الفكرين.. وهذا التخاصم كفيل بإستعجال نهايتهما معاً.
https://telegram.me/buratha