علي فضل الله الزبيدي
حسب مفهوم الأنظمة السياسية الحديثة، فإن وجود الهيئات المستقلة ، يعتبر ضرورة ملحة، لدوام الديمقراطية في البلاد، وللمحافظة على التداول السلمي لإنتقال السلطة، وذلك يكون من خلال، الإستقلالية الحقيقية وليست الصورية، لتلك الهيئات، فإقرار القوانين الخاصة، بعمل تلك الهيئات، عن طريق مجلس النواب، يهيئ الأرضية السليمة ، للسير بخطى حقيقية، نحو تطبيق مبادئ الديقراطية، التي تضمن الفصل بين السلطات الثلالة، ليكون الشعب في مأمن بطش الحكام، من خلال ضمان حقوقه الوطنية، أمام السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.
الهيئات المستقلة في العراق، كحال المؤسسات الحكومية في البلد، نخرها الفساد المالي والإداري، وكذلك الولاء الحزبي، الذي ألغى الحس الوطني، لدى أعضاء تلك الهيئات، فمفوضية الإنتخابات،وهيئة النزاهة، والبنك المركزي، على سبيل المثال لا الحصر، أثبتت الوقائع المادية، إنها هيئات لم تكن مستقلة، عن سلطة الحاكم وإرادته، بل كانت مستغلة إستغلال فاحش، فكانت السبب وراء ولادة حكومات فاسدة، على المستوى المالي والإداري، فكانت كما قال الشاعر:(وعين الرضا عن كل عيب كليلة..ولكن عين السخط تبد المعايبا).
لقد أفرد الدستور الحالي، في الفصل الرابع منه، عدة مواد تبين عمل الهيئات المستقلة، وإبتداء" من المادة 102 الى المادة 108،إلا إن المشكل في هذه المواد، وجود التناقض في طيات نصوصها، مما جعلها محط إستغلال، للذين لم يرتقوا، لمستوى مفهوم الديمقراطية، فنجد المادة 102، تربط بعض الهيئات بمجلس النواب، والمادة 103 تبين إستقلال هيئات أخرى ماديآ وإداريآ، وبعضها الأخر إرتبط بمجلس الوزراء، مما يدل على ضعف إمكانية المشرع العراقي، وقت كتابة الدستور، مما جعل من تلك الهيئات، مستغلة من قبل السلطة التنفيذية.
فيمكن لتلك الهيئات أن تؤسس، لوجود حكومة قوية وعادلة، متى ما تحلت بالإستقلالية، والكفاءة، كي ترتقي لمستوى المسؤولية، الملاقاة على عاتقها، وعليه فلا بد من الأبتعاد، عن الميول والإتجاهات، عند إختيار رئاسة تلك الهيئات، فالإدارة الناجحة، تكون سبب لبناء فريق عمل كفوء، داخل تلك المنظومات المستقلة،وليس من مشكلة في المحاصصة، لبناء تلك الهيئات، متى ما تم ترشيح الأشخاص الأكفاء، الذين يتمتعون بالأهلية العلمية والعملية، وكذا الحس الوطني لتقديم المصلحة العامة، على الحزبية والفئوية، ليكون النجاح، حليف عمل تلك الهيئات المستقلة.
إذن يتبين لنا إن غموض النصوص القانونية، التي جاء بها الدستور العراقي الحالي، وعدم تقنينها من قبل المشرع العراقي، بالأضافة لوجود التناقض، في الإستقلالية المادية والإدارية، لتلك الهيئات، أضعف من عملها، وأستغلت من قبل السلطة التنفيذية، لتهميش الشركاء السياسين، وترسيخ سلطة الحاكم بدل الشعب، مما سبب إنحراف عن الغرض الاصلي، لإنشاء تلك الهيئات، وأصبحت من أدوات رئيس مجلس الوزراء، ليقرب المتلقين له، اللاهثين وراء المكاسب الشخصية، وفي نفس الوقت، إزالة المعترضين على إدارته لملف الدولة.
لا بد من وقفة تصحيحية، من قبل البرلمان الحالي، لمراجعة القوانين الخاصة بعمل تلك الهيئات، من خلال الحذف والتعديل، لتقنين القوانين النافذة لعمل الهيئات المستقلة، مع الأشتراط لوجود التخصص، لأعضاء تلك الهيئات، لكي لا تستغل مستقبلآ، ولتأتي بالغرض الذي أوجدت من أجله، ألا وهو ترسيخ مبادئ الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، ورفع الكفاءة الإدارية للمؤسسات الحكومية، لأن المواطن في النهاية، لا يريدها هيئات مستغلة.
9/5/150323
https://telegram.me/buratha