من المقاطع المهمة في حياة الأمام علي عليه السلام، هو الزمن القصير لخلافته والذي كان في غاية الإيثار.
على الرغم من مفاصل القلق والأضطراب التي تخللت فترته؛ إلا أن الأمام علي عليه السلام، عكس أقواله وسيرته العملية في القيادة والزعامة السياسية، ومواقفه مع الصديق والعدو.
إن المواجهة الصحيحة، وإتخاذ المواقف الدقيقة على الأصعدة الأجتماعية المعقدة، من دون معرفة تامة بأصول السياسة يجعل الأمر فيه اشكالية.
يقتضي من مجتمعنا الأسلامي، معرفة النظام السياسي الأسلامي وتبيان اصوله في كل ابعاده، ويوظف في هذا الجهاد العلمي والعملي كل جهدٍ وجهيد.
إضافة الى ذلك إن عالمنا هذا اليوم، مليء بألجور والظلم، فهو عطشْ الى القيم الأسلامية السامية، ونشرها بواقعها الصحيح امام الملأ؛ ليفتح باب أمل للبشرية ويقدم نموذج جديد للعالم، يفند المدلولات الغربية والعادات التي طفت على سطح العالم الأسلامي.
إن مفهوم الحكومة الأسلامية، هي سلطان الأسلام وسلطان الباري عزوجل، لا حكومة الحاكم الفرد او الجماعة او الحزب او الطبقة، وإن بقائها ودوامها يحتاج الى رضى وقبول الناس وإعانتهم لها .
الحكومة الأسلامية ليست حكومة السيف والسوط والحيدي والنار، وإنما هو قبول الناس والشعور بألرعية، والشوق لها لتتحكم بالأفئدة والقلوب.
سئل الأمام علي عليه السلام أيهما افضل : العدل او الجود؟ فقال الأمام (ع) العدل يضع الأمور مواضعها، والجود يخرجها من جهتها، والعدل سائس عام، والجود عارض خاص؛ فألعدل أشرفهمها وأفضلهمها.
هذه المقارنة بحديث الأمام علي عليه السلام، تتبين نظرته النافذة الشاملة وأهتمامه بقيمة العدالة الأجتماعية، وما لها من تاثير ينتفع بها عامة الناس، ونظام القيادة في الحكومة الأسلامية يجب ان تجعل من محور العدالة اساس برامجها العملية والتخطيطية.
معظم قادة الساسة يرون أن السياسة تساوي، الغدر ونقض العهود، والكذب والتزوير، بينما اذا تحلى القادة بالصدق والأمانة، فسوف يحافظ على مركزه ومقامه، ونستند بذلك قول أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) إذ قال : " والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة وكل فجرة كفرة ".
هناك طريقان ومساران، احدهمها السلوك نحو السياسة الألهية، والأخر نحو الاساليب الرخيصة، والفارق بين هاتين الرؤيتين المتقابلتين في السياسة، إن اولهما يلتزم بالأصول والقيم الأسلامية والأنسانية، وثانيهما يجعل من اهدافه الشخصية مناله ومراده، هي الوصول الى تنفيذ سلطته بشتى الوسائل والطرق. ترى اين ساستنا من نظام حكم الأمام علي عليه السلام؟ اين حكومتنا التي نخجل ان نسميها " إسلامية" من إسلامية حكم الأمام علي عليه السلام؟
لا بد من التوقف والتأمل كثيرا، ونحن نقرأ النزر اليسير من جواهر حكم وبلاغة أمير المؤمنين، في أوقات حكمه التي لم تتجاوز اكثر من خمسة سنوات، وجعلها منارا ومنهاجا نستنير بها، من أجل إرضاء الباري عزوجل اولأ، وتحقيق مقبولية الناس آخراً، ولكن إن استطعنا ؟ يوم لا ينفع بكاء ولا ندم، فنادو ولات حين مناص.!!
https://telegram.me/buratha