لا اريدُ ان اتحدّث هنا عن دور السياسات المدمِّرة التي انتهجها (مختار العصر) في تمكّن الارهابيين من ثلث مساحة العراق، منذ ان سقطت الموصل بايديهم في العام الماضي. فكلّنا متّفقون على ان تلك السياسات التي اعتمدت صناعة الأزمات وتبني الفساد المالي والاداري في مرافق الدولة، وخاصّة في المؤسسة الأمنية والعسكرية عندما كان يبيع ويشتري الدرجات الوظيفية فيها، والانشغال بنظرية (بعد ما ننطيها) على حساب أمن البلاد وسلامتها، وسكون نظرية المؤامرة في كل كيانه، لدرجةٍ انّه حوّل رئاسة الوزراء الى إقطاعيّة عائليةّ بامتياز بعد ان فقد ثقتهُ حتى بأقرب المقرّبين اليه من غير أسرته ومتعلّقاتها! وتجاهلهُ للمخاطر العظيمة التي كانت تحدق بالعراق من كلّ صوب وتسميتها بالفقاعة التي ظلّت تتمدّد وتتمدّد حتى كادت ان تدمّر البلاد وتقضي على آخر بصيص أملٍ كان يحلم به المواطن العراقي آنذاك.
لا اريدُ ان اتحدّث عن دور كل هذا وأكثر، فسيأتي اليوم الذي يقف فيه، هو والزمرة المنتفعة التي ورّطت العراق بكلّ هذه الماسي، امام محكمة التاريخ ليطّلع الراي العام العراقي على كلّ الحقائق، فيعرف وقتها كم هو كان مغفلاً ومخدوعاً بهذا المختار الذي يتحمّل اليوم مسؤولية كل قطرة دم شهيدٍ يعرج الى جنان الخلد في سوح الجهاد، وكلّ دمعةِ يتيمٍ او ارملةٍ او ثكلى تسقط على تربة العراق الطاهرة.
فهو اذا كان اليوم محمي بوعود البعض التي قطعوها له بعدم فتح اي ملفٍّ ضدّه، فانّ هذه الوعود لن تستمر طويلاً وسينتهي اجلها ان عاجلاً ام اجلاً، وعندها؛ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}.
انّما الذي اريدُ ان اتحدّث عنه الان هو دور الشركاء في العملية السياسية في كل ما يمرّ به العراق اليوم اولاً؛ المكوّن الشيعي الذي استسلم لسياساته، خوفاً او طمعاً لا فرق فالنتيجة واحدة، حتى عظُم الخطر فعجز عن الإصلاح الا بعد ان دفع الثمن غالياً لحدِّ الان، وليس معلوماً كم سيستمر دفع الثمن هذا الى ان يتعافى العراق من جديد!.
ادعوه، المكون الشيعي، الى عدم تكرار التجربة المرّة، فتجاهل او التغاضي عن الخطأ الصغير يجرُّ الى خطأ اكبر، الاول يمكن تلافيه باقل التكاليف، اما الثاني فتكبُر تكاليفه بشكل مضطرد، وليس عاقلاً يلجأ الى التكاليف الباهضة اذا كان الثمن البسيط في متناول اليد.
ثانياً؛ المكوّن السنّي الذي ظنّ انّ دولة الارهابيين أرحم عليه من دولة الصفوييّن، وانّ ظلم الارهابيين أهون عليهم من عدل الروافض! ففرح وصفّق ورقص طرباً عندما سقطت الموصل بايديهم، حتى انّ احدهم اتصل بي هاتفياً وقتها ليبشّرني بالامن الذي عمّ ربوع ام الربيعين في ظل دولة الارهاب وبالديمقراطية الجديدة التي بدأ يبنيها اهل الموصل في ظل دولة الخلافة، ولشدة ما اسالَ حديثه لعابي، سألته؛ هل من طريقة لطلب اللجوء هناك لنعيش في ظل هذه الديمقراطية الجديدة؟!.
ادعوه،ُ المكوّن السنّي، الى ان يلغي من ذهنه مثل هذه الأفكار المريضة، فمصلحتُهُ من مصلحة شركاء الوطن، ومصلحتهم جميعاً مع الشراكة الحقيقية التي يجب ان تترسخ اكثر فاكثر ليستقر العراق ويتعافى، وهي جهدٌ مشترك يجب ان يبذله الجميع لتحقيقه، وهو لن نتمكّن منه بالحب من طرفٍ واحدٍ ابداً.
الارهابيّون لا ينفعونكم في شيء، وهم سيدمّرونكم عن بكرة أبيكم اذا لم تعودوا الى انفسكم وتتصالحوا مع ذاتكم قبل ان تتصالحوا مع شركاء الوطن، فلا احدَ منهم بامكانه ان يساعدكم على التحرر من الارهابيين الذي يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم، اذا لم تساعدوا انتم انفسكم.
ثالثاً؛ المكوّن الكردي الذي ظلّ يتصوّر انّ بامكانه ان يحمي نفسه بعيداً عن العراق، وانَّ الحرب (الطائفية) على حدِّ وصفه وقتها، لن تؤثّر على مشاريعه التنمويّة والاستثماريّة، فهو في جنّة الدنيا التي لا تتاثّر بنار الاخرين! ليتبيّن له فيما بعد، بانّ النار التي تشتعل في اي جزء من العراق ستصيبهم حتماً مهما فعلوا ومهما حاولوا
بل انّ المنطقة برمّتها اليوم تقف على برميل بارود على كفّ عفريت، فكيف يفكّر جزءٌ صغيرٌ جداً منها حماية نفسه بعيداً عن الكل الواحد؟ فضلا عن الكل بالمجموع؟!.
ادعوهم، المكوّن الكردي، الى ان يستفيدوا من التجربة، ليُعيدوا النّظر بحساباتهم، فبعد ان سمع رئيس الإقليم من الرئيس اوباما خلال زيارته الاخيرة الى واشنطن، كلاماً يعبّر ان الياس من مشاريع الانفصال والدولة وما الى ذلك من الشعارات التي بات واضحاً جداً فحواها ومحتواها للمواطن الكردي البسيط في الإقليم فضلاً عن المواطن العراقي، والتي لا تتعدّى كونها سياسات دعائيّة للاستهلاك المحلّي ولابتزاز الاخرين لا اكثر، ليس أمامهم الا البحث في المشتركات مع المركز بلا تزمّت او تعسّف.
وفي الذّكرى السنويّة الاولى، التي اتمنى ان تكون الاخيرة وقد تحرّرت الموصل الحدباء من براثن الارهابيين وعاد أَهلها الى حضن الوطن الام الذي يستوعب كلّ العراقيين بلا استثناء مهما مرّت عليهم من آلام ومآسي ومصائب، في هذه الذكرى، يجب على كل عراقي ان يتذكر ويعيش ذكرى فتوى الجهاد الكفائي التي اصدرتها المرجعية الدينية العليا، والتي تجاوزت كل الأخطاء التي ارتكبتها المكوّنات الثلاثة الآنفة الذكر، فضلا عن اخطاء (المختار) التي سيكتشف العراقيون جميعاً، بمن فيهم الطبّالون والنفعيّون والوصوليّون والأبواق التي لازالت تنظر اليه مختاراً ليس للعصر فقط وانما للصبح كذلك! فيسعى معهم للعودة الى السلطة ولا ادري ما الذي يخبئه لنا هذه المرة [تسليم النجف الأشرف وكربلاء المقدسة مثلاً!!] ان الذي ارتكبه الموما اليه لم تكن اخطاءاً واّنما جرائم بحق البلاد والعباد.
لقد حمت الفتوى العراق من الدمار الشامل، وهي حمت الارض والعِرض والنّاموس والشرف والمقدّسات من ان يدنّسها الارهابيّون، كما انّها حمت النظام السياسي الديمقراطي من عبثهم، وحمت حقوق الانسان من التدمير الممنهج، ولذلك فانّ كلّ من يتجاهلها او يتغافل عنها او يطعن بثمرتها المقدّسة، واقصد بها الحشد الشعبي المقدّس، او يحاول مصادرة جهوده وتضحياته، او سرقة انتمائه او الطعن بولائه، انما هو يتجاهل كلّ ما صانته الفتوى وحمته.
لقد اثبتت الفتوى، كذلك، ان الحل لمعضلات العراق، عراقياً بامتياز، فمالم يشمّر العراقيّون عن سواعدهم ويوحّدوا مواقفهم وصفوفهم ووجهة بنادقهم، فانّ الحرب على الارهاب ستطول وتطول، ليحوّلها تجّار الحروب الى حرب استنزاف طويلة الامد، يملأون بها جيوبهم ويرتوون من دماء نحور العراقيين!.
انّ الإسراع في إيجاد الصيغ السياسيّة لعدد من الأزمات التي لازال يعيشها البلد، سيساعد في اختزال الوقت لصالحنا، وان المضيّ قدماً في الجهود المبذولة لتنفيذ الاتفاق السياسي الحكومي، كما أشار الى ذلك السيد رئيس مجلس الوزراء في كلمته امام اجتماع مجموعة السبعة، سيساعد على ذلك كذلك. علينا جميعاً ان ننشغل بالأهم من الامور والقضايا، فلا نبتلع طعم التضليل والمشاغلة والمشاغبة في كلّ مرّة، فانّ ذلك يزيد الشرخ ويذهب بقوّتنا وارادتنا ويُضعف من معنويّاتنا!
تحيةً للفتوى، وتحيةً للمقاتلين الأبطال في سوح الجهاد، خاصة المنظوين في صفوف الحشد الشعبي البطل الذي يعتبر اليوم هوية العراق وعزّه وشرفه، وتحيةً لكل قطرة دم شهيد حمت الارض والعرض من دنس الارهابيين، وتحيةً لاهلنا الصامدين في كل شبرٍ يدنّسه الارهابيون، خاصة في الموصل، وتحيةً للنازحين الذين خسروا كل شيء ليكسبوا هويتهم.
https://telegram.me/buratha