ستستمر ازمة الكهرباء، بل قد تتعمق ما دامت البنى المعتمدة لانتاج وتوزيع الكهرباء سائرة بنفس المنهج القديم.. فمن يراجع منحنى الطلب والانتاج منذ نهاية التسعينات سيجد ان الهوة بين الاثنين تتسع بشكل كبير في كل عام.
للذاكرة فقط، سبق لوزير كهرباء مجلس الحكم وحكومة الجعفري ان اعلن حل المشكلة حال وصول المولدات الجديدة واستكمال بناء المحطات المقرة.. واعلن في برنامج حكومة المالكي الاولى ان الكهرباء ستتوفر بمعدل 24 ساعة بحلول 2009.. واعلن لاحقاً اننا سنصدر الكهرباء في 2012.. وسيكون صيف 2014 اخر ازمة تشهدها البلاد.. وها نحن في صيف 2015 والازمة تتعمق والفجوة تتسع بين الطلب والانتاج.. رغم الاموال الهائلة التي صرفت وتصرف من قبل القطاع العام والخاص. فالاستمرار بهذا الشكل سيستهلك المزيد من الاموال والمشتقات والجهود المخلصة والطيبة المبذولة سواء من وزارة الكهرباء او من الوزارات الاخرى، بالمقابل سيزيد من حالات التهريب والفساد والمحاباة والمافيات الداخلية والخارجية.
البناء الخاطىء هو التركيز على منطق يقول ان العراق في عام (كذا) سيحتاج الى (كذا) ميغاواط من الكهرباء.. فنقترح –كما هو حال البلدان الاخرى- الخطط لمشاريع تقرها وزارة التخطيط وتدرج في الموازنات وتبدأ وزارة الكهرباء بتنفيذها. في هذا المقطع، لنترك جانباً تلكوء المشاريع بسبب الفساد او النظم الادارية وطرق تنفيذ العقود والظروف الامنية والمالية وغيرها.. ولنترك جانباً طبيعة اختيار المشاريع ومواقعها والوقود المستخدم فيها ومدى توفره او اقتصادياته، لنترك ذلك كله، ولنفترض ان محطات جديدة قد شيدت، وهو ما تحقق في بعض المناطق.. وبالفعل حلت الازمة في بعض المحافظات، كما في كردستان او في الكوت مثلاً..
ففي الاخيرة عندما توافق بناء المحطة مع توفر الغاز من الاحدب الى محطة الزبيدية وحلت مشكلة التوزيع فان الكهرباء قد توفر بشكل عام في المحافظة. اما مع الاشكالات بسبب المحطات والوقود المستخدم.. او مشاكل الانتاج والتوزيع والحمل والاستهلاك فان افتتاح محطة جديدة قد لا يؤثر على الاستهلاك ايجاباً، بل قد يحفزه ليتضاعف الاستهلاك مرات وبسرعة، اكثر بكثير من العرض ومن كل التقديرات النظرية.. فالمشكلة في العرض او الانتاج قائمة، لكن المشكلة الاكبر هي في الطلب والاستهلاك اساساً، وما يلازمهما ايضاً من شبكات تحميل وتوزيع وسيطرة.. فالانتاج قابل للسيطرة اما الثاني فاصعب بكثير، وهو في المناطق المكتظة سكانياً وفي العشوائيات خارج السيطرة تماماً، ويجعل الحلول معقدة وصعبة، لا يكفي معها تغيير الوزراء ووضع خطط الانتاج فقط. فخلاف الكثير من الدول نواجه تحولات سريعة في كل شيء تقريباً، سكانياً واجتماعياً واقتصادياً وفي انماط العيش واستهلاك الطاقة، الخ.. كما نواجه تفكك الشبكات ونظم التحكم والسيطرة، والفساد والاختراقات لاسباب مادية او تخريبية، والتهريب المنتشر والتجاوزات والعبثيات والعشوائيات والمافيات واصحاب المصالح الضيقة.
لنأخذ المولدات الاهلية نموذجاً.. لماذا تنجح في الانتاج على الرغم من تخلف المولدة عادة ومشاكل الوقود.. وتنجح في التوزيع على الرغم من فوضى الاسلاك وعشوائيات الربط.. فالطلب او الاستهلاك مسيطر عليه، والانتاج يزداد بازدياد الطلب، والوقود المستخدم يتوفر بطريقة او باخرى ما دام المنتج يحصل على موارده والمستهلك يحصل على بضاعته.. والدائرة صغيرة ومعروفة مداخلها ومخارجها ونفقاتها والتزاماتها المتبادلة. وتشير بعض الارقام ان نصف انتاج البلاد بات يعتمد على المولدات الاهلية والخاصة. فاصلاح الكهرباء يتطلب اصلاح بنيته واعادة رسم الاولويات.. والا سنستمر بالركض وراء سراب.
اخيراً، يجب ان لا نغفل ان الدوائر والمؤسسات والمصالح وقطاع واسع من الاهالي يعتمدون على المزاوجة بين "الوطنية" من جهة والاهلية والخاصة من جهة اخرى.. لكن مع ازدياد درجات الحرارة، والضغط على استهلاك وانتاج الكهرباء، فان دائرة المحرومين اتسعت واصبحت المعاناة اكبر بكثير مما يتصوره البعض، وهو ما يتطلب معالجات عاجلة، ولو مؤقتة. واننا في "النفط" نضحي بجزء مهم من صادراتنا وموازناتنا للمساعدة في تجاوز فصل الصيف على الاقل، بكل التبعات المترتبة. نرجو من الجميع تحمل مسؤولياتهم والنظر بشجاعة للامور والتعاون.. وعدم تحميل الاخرين قصور او تقصير ما يتحملونه هم.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha