قضينا حياتنا ونحن نحلم ان نتظاهر دون ان نتعرض للاعتقال او حتى القتل.. وكنا نحلم ان نعبر عن رأينا سواء اتفقنا مع الحكومة او عارضناها.. لذلك اعتبرنا التظاهر احدى وسائل التعبير عن الرأي دستورياً.. وندعو ان تقوم القوات الامنية بحماية المتظاهرين، بقدر ما يقوم المتظاهرون انفسهم بالحفاظ على الطابع السلمي للمظاهرات، وان تمنع القوات الامنية اي تجاوز على الممتلكات والمصالح العامة او الخاصة. لذلك اولى المقترحات هو ان نحول تسميات مثل قوات مكافحة الشغب الى قوات حماية الحقوق الخاصة والعامة.
سيستغل بعض المتصيدين بالماء العكر المظاهرات لهذا الغرض او ذاك.. كما يستغل بعض المتصيدين الحريات العامة وحرية الصحافة والاعلام. لكن هذا كله يجب ان لا يحرف السلطات عن مهمتها الاساس وهي حماية المتظاهرين وتوفير كامل الفرصة للتعبير عن رأيهم.. فمنع ذلك هو المؤامرة الكبرى وهو الذي يبني اجواء التمرد والتآمر. وعليه يجب الاستماع الى شكوى الناس ومطالبهم.. فان كانوا مخطئين فيجب الشرح، وان كان المسؤول مخطئاً او مقصراً فواجبه التصحيح.. لهذا وقفنا مع حق التظاهر عندما كنا خارج السلطة، ونقف اليوم معها ونحن في المسؤولية والسلطة. فنحن امام مبدأ، لا ان نقبله عندما يكون لنا ونرفضه عندما يكون علينا.
لنفترض جدلاً ان بعض القوى السياسية الوطنية تريد الضغط على الحكومة فتستخدم المظاهرات وسيلة لذلك. نقول ان هذا حقاً لها ما دامت تستند للممارسات القانونية والسلمية.. وما دام الامر كله سيعتمد على ردود فعل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومجلس الوزراء ومجلس النواب. ففي كثير من الدول تشكل المظاهرات وسيلة للتغيير وفق السياقات الدستورية، ونرى ان هذا من جوهر الديمقراطية ولا حجة لدينا تقف امام ذلك. فرغم ان ديمقراطيتنا ما زالت هشة، لكننا نؤمن ان لا طريق لتصليبها ومأسستها ان لم نمارسها. فهذا هو الطريق الوحيد لبنائها.. فلا شيء سينزل جاهزاً حاضراً دون تدافعات وارهاصات واخطاء ودروس نتعلمها.
اما الامر الايجابي الاخر، فهو ان طابع المظاهرات الحالية هو مطالبات خدمية واصلاحية. وهذا ايضاً امر ايجابي لانه يعبر عن حركة وعي للحقوق الاساسية للمواطنين التي يجب الحرص عليها والدفاع عنها. وستكشف التجربة بان الاصلاحات لا تتعلق بعمل المسؤولين فقط، بل بوعي الناس والمتظاهرين ايضاً، وتحملهم مسؤولياتهم بقدر تحميل الاخرين مسؤولياتهم. فاذا تجاذب هذان العاملان، فان التظاهرات ستكون حقاً ظاهرة صحية تساهم كثيراً في تصويب المسارات ووضع الامور في نصاباتها الحقيقية.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha