منذ دخول الأحتلال، والمرجعية كانت بموقف الرقيب، الذي يتابع ويحلل، ليضع الحلول لحفظ العراق، وحماية شعبه. العراق الذي عانى من الديكتاتوريات المزمنة، وقاسى شعبه اقسى أنواع المحن، في ظل تلك الدكتاتوريات،
هذا الشعب تنفس الحرية، لكنها وللاسف! جاءت بيد المحتل. لم يكن الشعب العراقي، في موقف يمكن من خلاله، ان يحلل او يرصد، ثم يتخذ قرارا، في ظل هذه الظروف، فالانزواء عن العالم، والتكتيم الأعلامي، والعزلة التي فرضها البعث، على الشعب عن العالم، جعلته شعب مغلوب على أمره. من هذا المنطلق؛ كان من اللازم وجود جهة وطنية، تثق بها غالبية الشعب العراقي، والجهة الوحيدة، التي تمتلك هذا الوقع، في نفوس الناس، هي فقط المرجعية الدينية العليا.
تصدت المرجعية، إنطلاقا من واجبها الديني، تجاه المواطنين، والبلد، لكل المستجدات على الساحة العراقية، وكانت مواقفها ثابتة، لحفظ سيادة وكرامة العراق، وحفظ حقوق مواطنيه. كتابة الدستور، وإقراره، وإجراء إنتخابات، وتسليم السلطة لحكومة عراقية منتخبة، كلها جاءت بسبب إصرار المرجعية عليها، لأنه كان من الواضح، إن المحتل جاء ومعه مقص الخياط، ليخيط للعراق دستورا، وحكومة من فصاله.
إستمرت المرجعية، بتوجيهها للحكومة العراقية المنتخبة، ودعت إلى محاربة الفساد، والترهل الإداري، وإلغاء إمتيازات المسؤولين، ونصحت الحكومة في أكثر من مرة، لإتخاذ الإجراءات اللازمة للتصدي لهذه المشاكل، وكررتها اعوام 2006 و2009 و2011 و2012، لكن للأسف! لم تكن الحكومة السابقة، بمستوى المسؤولية، للأخذ بتوجيهات المرجعية. كانت المرجعية، تخشى من حجم الفساد المستشري في دوائر الدولة، وخصوصا في المؤسسة العسكرية. خشيتها كانت في محلها، فالفساد في هذه المؤسسة، مكن التنظيمات الإرهابية من إحتلال ثلثي العراق. بعد سقوط الموصل، وماتلاها من مجازر، وبعد عجز الحكومة عن التصدي لهذه العصابات،
هنا إنبرت المرجعية بنفسها، للتصدي لتلك العصابات، لتعلن عن فتواها بالجهاد الكفائي ليتجند ملايين المتطوعون، لرد كيد داعش ومن يخطط لها ويمولها. بعد صد داعش، إنبرت دوائر العداء للعراق، للتفكير بطرق أخرى لضرب العراق، فبدؤوا بحركة التظاهرات، والتي تعددت مطالبها، لتصل إلى حل الحكومة والبرلمان.
هنا استشعرت المرجعية الخطر، مرة أخرى، ومع ضبابية الموقف لدى أغلب العراقيين، إنبرت المرجعية بنفسها للتصدي للتحدي الجديد، لتوصي رئيس الوزراء، بالضرب بيد من حديد، على الفساد والمفسدين، وبنفس الوقت طلبت من المتظاهرين، إعطاء مدة لا بأس بها، لإجراء الإصلاحات، لأنها -الإصلاحات- لا تأتي بليلة وضحاها.
إن خطورة الفساد، والأصابع الخفية التي تدير التظاهرات، جعلت المرجعية تصف المواجهة مع الفساد بالمعركة، والتي أسمتها معركة الإصلاحات، وهذه المعركة تحتاح من العدة والعدد، والتخطيط كثيرا، فالمعركة كما هو معروف، فيها طرفي نزاع يتصارعان، ولا بديل للحكومة إن أرادت أن تبني البلد، إلا الإنتصار في هذه المعركة.
https://telegram.me/buratha