العراق ليس البلد الريعي الوحيد الذي يعتمد في موازنته وموارده على النفط.. فمعظم البلدان النفطية المحيطة بالعراق كالدول الخليجية وايران مشابهة من هذه الزاوية لاوضاع العراق.. الفارق هو ان النزعة الانتاجية تتراجع عندنا بينما تسعى تلك الدول لزيادتها في بلدانها.
فبات العراق مستورداً من الدول المجاورة الاقل مؤاتاة من ناحية الموارد الطبيعية لسلع كالحليب والماء والاجبان والتمور والفواكه والخضروات والحاجيات المنزلية كالاثاث والادوات المطبخية والشخصية كالاقمشة والملابس والاحذية، وبعض الاجهزة الصناعية، بل استطاعت ايران ان توجد لنفسها سوقاً مهمة في العراق لتصدير الماركات الايرانية من السيارات.
تعتمد نماذج الدول النفطية الخليجية على تشجيع الاستثمارات الوطنية والاجنبية وفتح كافة المجالات للاستثمار وجلب ارقى المعامل واكثرها تقدماً، واقامة افضل المزارع والمراعي، وجذب السواح والمحافل الدولية، واقامة المؤتمرات العالمية والاقليمية، وتنظيم اعلى اشكال الورش والدورات التدريبية، وارسال عشرات الاف الطلاب سنوياً للحصول على اعلى الشهادات والتقنيات، اضافة لاستثمار مئات مليارات الدولارات في مشاريع واستثمارات خارج البلاد.. صحيح ان نموذج الدول الخليجية خاص لاسباب عديدة منها طبيعة العمالة الاجنبية والطبيعة السكانية، لكنها تجربة يمكن التعلم منها كثيراً خصوصاً في اطار تحديث الادارات وترشيدها وفقاً للمعايير العالمية، وتقليل الاعتماد على القطاع العام لمصلحة الاستثمارات والقطاع الخاص.. ففي الامارات مثلاً خفض عدد الموظفين الى العُشر تقريباً، واخذت الدولة تتعاقد وتشتري الخدمات بدل ان تقوم هي بها، موفرة بذلك اموالاً عظيمة، وخدمات افضل، وفساداً اقل.. فدول الخليج النفطية هي من اكثر الدول استهلاكية ايضاً، لكنها باتت بالمقابل دولاً تتقدم في مجال الانتاج والاستثمار، واحدى الادلة لذلك، اننا بتنا دولة مستوردة من هذه الدول بعد ان كنا دولة مصدرة لها.
اما النموذج الايراني كبلد نفطي، والذي يشكل ناتجه الوطني الاجمالي 406 مليار دولار في 2014، وهو الثاني في المنطقة بعد السعودية، فان سيطرة الدولة ما زالت كبيرة لتصل الى 50-60% من الاقتصاد، لكن صلاحيات غير قليلة تعطى للمؤسسات الرسمية للمبادرة او لتشكيل الشركات المرتبطة بها والتي تستطيع التصرف بمرونة اعلى من البيروقراطيات عندما تسود، بشكل مطلق.. كما ان قوانين الملكية وتأسيس الشركات والمصارف والمصالح الخاصة والاستثمار في الخارج ونزعة العمل والانتاج تجد تشجيعاً كبيراً من قبل المجتمع والدولة على حد سواء. لذلك استطاعت ايران توفير الحاجيات الزراعية والصناعية والاستهلاكية والخدمية، بل تقوم بتصديرها في الاسواق الاقليمية والدولية، رغم انخفاض موارد النفط ليس فقط بسبب انخفاض الاسعار بل ايضاً بسبب الحصار والعقوبات.
ان استمر العراق بالتركيز على الانتاج النفطي على حساب انتاج القطاعات الحقيقية الزراعية والصناعية والخدمية، الخ.. وان استمر التركيز على الاستهلاك والمزيد من الاستهلاك، فان الازمة الحالية لن تكون الازمة الاخيرة، بل سنواجه ازمات اخطر واشد لن تتحملها البلاد.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha