المقالات

مكيافيللي وتأثيره على الطاغية صدام

1522 2015-11-09

يعتبر كتاب ( الأمير ) للكاتب مكيافيللي, هو الملهم للكثير من الطغاة, فهو منهج متكامل, لمن يريد أن يكون طاغية, حيث وضع الكتاب قواعد لعبة الشر, مؤكدا بين سطوره, أنه لا مكان عند الطغاة للأخلاق والقيم, فكان هتلر يضع هذا الكتاب على مقربة من سريره, فيقرا فيه كل ليلة, قبل أن ينام,

وليس غريبا أن يمتدح موسيليني كتاب الأمير, فيقول : (( لقد قرأت كتاب الأمير, وغيره من مؤلفات ذلك الأمين العظيم, قراءة واعية)) (1), حيث يعترف موسيليني بأنه يشتق سلوكه, من قواعد مكيافيللي الخبيثة, التي تحقق النجاح, لمن يطلب التحكم برقاب الناس.

لم يفوت صدام كتاب الأمير, بل هو دستوره في حكم العراق, والدليل تطابق سيرته مع تعليمات وقواعد الكتاب.

من أبشع وصايا مكيافيللي, انه يؤكد, ان الطغاة لكي يحتفظوا بالسلطة, عليهم اقتراف الإساءات المتكررة, بحق الشعب, أما المنافع الصادرة منهم للشعب, فيجب أن تمنح قطرة فقطرة.

صدام طبق هذه التوصية بحذافيرها, من أول يوم لتسلمه السلطة, فكانت تصدر منه الإساءات, بحق الأصدقاء والأعداء والشعب, مما مكنه أن يسيطر على الحكم, نتيجة إشاعة الخوف بكل محيطه, حيث تحول صدام لمركز للشر الدائم, يرهب منه الكل, فلا قيم ولا قانون يحكم حركته الشريرة, أما منافعه باعتباره رأس الحكم, فكانت بالقطارة, مما جعل الشعب يفرح بالقليل, الصادر من الطاغية صدام, كرفع الرواتب بضعة دنانير, يجعل الناس مستبشرة فرحة, مع رهبة كبيرة للطاغية, وهذا هدفه الأكبر,أن تكون الناس مذعورة منه, ومستسلمة له.

وصية آخر لمكيافيللي خطرة جدا وهي : (( على الحاكم الذكي, أن لا يحافظ على وعوده, عندما يرى أن هذه المحافظة, تؤدي إلى الأضرار بمصالحه)) (2).

صدام بما يحمل من ارث قذر, نتيجة عيشه مع صعاليك تكريت, ثم انتقاله للعيش مع عصابة منحرفة في بغداد, وتأثره الكبير بخاله المنحرف, كلها جعلته تركيبة منزوعة الأخلاق والقيم, فوجد صدام في مكيافيللي وكتابه تناغم كبير, مما جعله يسير على سطور كتاب الأمير, نحو حكم العراق, وصفة عدم الوفاء بالعهود, هي ميزة مهمة لصدام, وبرزت في فترة حكمه, مثل اتفاقه عام 1975 مع الشاه, ثم نقضه عام 1980, ثم العود إليه عام 1990, بحسب الظروف, ووعوده للشعب بالحرية والعدالة, ونقضه لكل وعد يعده, بعد أن يسيطر, أو تتولد ظروف جديدة, مما جعل لقب الكذاب الأقرب لصدام, على المستوى العالمي والمحلي, وهذه الصفة جعلت يكسب الكثير, على حساب الناس والتاريخ.

هذه وصيتين فقط , ووصايا مكيافيللي كثيرة, مثل: الخيانة, والكذب, وادعاء التدين, والانتهازية, والتلون, وكلها عمل بها صدام, طوال عهده المظلم. 
ترى لو لم يكتب مكيافيللي كتابه المشئوم, هل كان صدام أدرك السبيل لغايته, في حكم البلاد بالحديد والنار, بل كيف يمكن أن نتصور عالم, من دون شر هتلر وموسيليني, بالتأكيد سيكون القرن الماضي مختلفا, لأن كتاب الأمير, الهم الطغاة لسبيل الشر الأكبر, فما فعله هتلر وموسيليني بأوربا, وما فعله صدام بالعراقيين والإيرانيين والكويتيين, كانت جرائم مخيفة, سجلها التاريخ بأنه الأبشع في الحقبة الأخيرة, وهي متطابقة تماما مع أفكار كتاب الأمير, حيث تحول لأول مرة الكتاب, من عنصر نافع, إلى عنصر مخيف, لمساهمته في دمار البلدان.

اعتقد أن على الأمم المتحدة, والمنظمات العالمية والحقوقية بالخصوص, أن تأخذ الموعظة من هذا الكتاب, فتمنع كل منشور يدعم العنف, أو أي وسيلة إعلامية, تدعم ظلم الطغاة, ويمنع من تحقق العدل, وان يتم محاسبة المساهمين في نشر أفكار, تسهم بولادة طغاة وجبابرة.
أن المساهمة في نشر الشر في العالم, جريمة يجب أن تمنع, ويعاقب الساعي أليها.

(1) و (2) كتاب ما بعد الاستعباد, للكاتب حامد الزيادي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك