الكاتبة: أمل الياسري
إجتمعنا بجدتنا، حول مدفأة علاء الدين، ذات اللون الدافئ، أيام كان أغلب السادة، يخافون خروج العلويات الى مجالس العزاء، خوفاً من كلام الناس، علماً بأنهم لا يأتون إلا بالرجل القارئ (المومن)، ليقرأ مقتل الإمام الحسين عليه السلام، وسط ظلام الليل، فلا يقدم في العزاء، سوى الدارسين (القرفة)، وحينها كان الناس يسترقون السير الى كربلاء، فهم في حيرة من أمرهم، أما عقيلة بني هاشم، لبوة علي وفاطمة، فالأمر عندها مختلف تماماً!
كانت الجدة تنادي، عند حلول أربعين الإمام الحسين، اليوم (مرد الروس)، ولم نكن نعي جيداً ما تقول، لكنها كانت تبكي كثيراً، لحال السيدة زينب، وهي تقول: ردت رؤوس الآل الى حفرها، لأن الأجساد إشتاقت لرؤوسها، لتكمل قصة البقاء الحسيني، ولتسجل مسيرة بلا توقف، عمرها ألف واربعمئة سنة إلا نيف منها، وما أقدسها من رحلة في ظل الكبرياء، حيث أذلت عروش البغاة، وأسقطت طواغيتهم، فوقفوا عاجزين، عن إدراك هذا العشق المهيب!
أحرار خالدون في واقعة كربلاء، أحياء عند ربهم يرزقون، ورحلة سبي لا تعرف الخوف أبداً، بل يتوسل الخوف رعباً، من مسيرة آل الحسين (عليهم السلام)، وهم يعتلون صهوة البطولة والكرامة، رغم أنهم محاصرون حتى عن الدمعة، لكن محاصريهم الأراذل، تراهم منكسرين، حين خلفوا لأنفسهم، عاراً وخزياً لن ينتهي، وأثراً لن يمحى، فقد برز إليهم غدير أخر كغدير خم، لمبايعة رؤوس الآل، بعهد ستكتب آثاره، وكل شيء أحصيناه في كتاب مبين!
ترى هل كانت السيدة العقيلة حائرة، بين الشيب الخضيب، والجسد السليب؟ الحيرة عند سيدة التأريخ الزينبي، محطة تستحق التوقف والتأمل، في التعامل مع هذا النشيد، الذي أطبقت له الأفلاك والأملاك، فهي تسترجع في كل لحظة، من أيام السبي على النياق الهزيلة، دقائق حياتها مع أخويها، السبط والكفيل (عليهما السلام)، فهما وداع مفتوح، متشح بالألم، بين رؤوس طافت معها طوال أربعين يوماً، وبين أجساد ترملت بدماء كربلاء، ظلت متوهجة مستعدة للمواجهة!
ثورة الأربعين عند العشاق، لا تعني مسيرة عزاء مليونية، مواساة لجبل الصبر، أم المصائب فحسب، بل إنها رحلة طموح حقيقي أسطوري، للوصول الى نيل الكرامة الأبدية، على نهج البيت العلوي الطاهر، الذي حاولت الدياجير المظلمة، غلقه بشتى الطرق، ليحاصروا الأمة بين السلة والذلة، ولكن مسيرة الأربعين، كانت تعني تطبيقاً واضحاً، لمعنى هيهات منا الذلة، فرغم صخب الإعتقالات أيام الطاغية، ظل (المومن وحكاية الجدة)، تئن الماً وحزناً، على مصاب أبي الأحرار!
https://telegram.me/buratha