قاسم العجرش
فسر المتابعون، من هواة التحليل السياسي، الذين لهم في كل طبخة لبخة، إجراء المرجعية الدينية العليا الأخير، المتمثل بالتوقف عن التعاطي مع الشأن السياسي، في خطب الجمعة التي تصدر عنها، على أن المرجعية المباركة، قد أعتادت تزريق ما تريد القيام به، على مراحل، وساقوا في هذا السياق تأويلات عدة، منها أن المرجعية غاضبة، أو أنها ترديد أن تنأى بنفسها عن الأخطاء المتراكمة، التي وقعت فيها حكومة العبادي، والتي بدت في بداياتها، وكأنها حصلت على دعم المرجعية الدينية..
موقف المرجعية الأخير، كان متوقعا الى حد بعيد، إذ أنها في الجمعة الأسبق، قالت بأن صوتها قد بُح.. في جمعة قبلها؛ عبرت عن خيبة أملها بشكل واضح، مشيرة الى أنها تكتفي بهذا القول في هذه المرحلة..وفي جمعة أسبق؛ من ذلك عبرت عن سخطها لإستجابة الدولة البطيئة، لإطروحات ومطالبات الجمهور والمرجعية بالإصلاحات..
الحقيقة الواضحة وضوح الشمس، أن ذلك بعض يسير من أسباب إجراء المرجعية الأخير؛ ويأتي إمتناع المرجعية عن تناول الشأن السياسي، كمحصلة منطقية للمشهد السياسي العراقي برمته..
نعلم أن منهج مرجعية السيد السيستاني دام ظله الوارف، منهجا إصلاحيا، ولا ينحى نحو المواجهة المباشرة مع السلطات، ولا يتخذ من المعالجات الثورية، سبيلا لتصحيح ألخطاء، فيمكن قراءة إجراء المرجعية، بعدم التكلم بالشأن السياسي في خطب الجمعة، بثلاث إتجاهات.
الأول؛ يمكن عده تحذيرا للحكومة خصوصا، والدولة عموما؛ بمكوناتها (البرلمان، الحكومة، الرئاسة، القضاء)، ونستعيد الى الأذهان، إمتناع المرجعية عن استقبال المسؤولين لسنوات، ونظيره الآن؛ إظهار عدم الرضا عن الأداء الحكومي، وأن المرجعية لا تأمل خيراً فيهم البتة.
الثاني؛ يمكن ان نقرأه على أن هذا الإجراء، حفظ لمقام المرجعية الدينية، لأن كثرة التوجبه مع عدم الطاعة، يؤثر على هيبة وقداسة مقام المرجعية، وأنه عملية لإعادة بناء المواقف، وتقييم الخطاب المرجعي، بمراجعة المواقف للسنتين الأخيرتين.
نستعيد في هذا الصدد الى ذاكرتنا؛ عملية تغيير أمناء العتبتين المقدستن في كربلاء المقدسة، وهما خطيبا الجمعة الدائمين هناك.
الإتجاه الثالث، وهو سياسي وطني بمخرجاته، حيث أن المرجعية المباركة، وفي أجواء تصاعد خطاب الكراهية والتـازيم، في العراق والمنطقة، إنها ارادت إعادة ضبط هذه الأجواء، على سكة التهدئة ونبذ الخطاب الطائفي، وأتخذت من منبرها؛ منطلقا لتنفيذ هذه الأستراتيجية..
كلام قبل السلام: في ذلك كله، لا اعتقد أن ما يذهب اليه بعض المتابعين والمحللين، بأن هذا الموقف، هو عتب كبير من المرجعية، على العبادي والطبقة السياسية، فالحقيقة أن العبادي والطبقة السياسية، لا يستحقون أن تعتب المرجعية الدينية عليهم بمقامها العالي، فالعتب على من يستحق العتب!
سلام..
https://telegram.me/buratha