عباس الكتبي
جاء في الحديث الشريف:(المراء يفسد الصداقة القديمة،ويحلل العقد الوثيقة ،وأقل ما فيه أن تكون فيه المغالبة، والمغالبة أسُّ أسباب القطيعة).
غالباً ما يورث الجدال والمراء بين الناس الخصومة،وبدورها تؤدي الى القطيعة،وبالتالي تتفكك الأواصر والروابط بين المجتمع الواحد المتماسك.
من خلال رصدنا ومتابعتنا لمواقع التواصل الإجتماعي عامة، لاحظنا ان ظاهرة صفة المراء والجدال منتشرة بكثرة، حتى وصلت حداً غير معقول ولا مقبول،من السباب والشتائم، ووصلت للفصول العشائرية في بعضها، وغالباً ما تحدث هذه الأمور في السجال السياسي،حتى أصبحنا نتصافح ونتواصل ونجتمع مع الآخرين وفق أنتماءتنا السياسية!! بعيداً عن رابطتنا الدينية والوطنية.
لعل كل انسان له فكرة،ورأي،ووجهة نظر،يحاول الدفاع عنها،والتشبث بها، والأصرار عليها،يتوافق ويختلف مع الآخرين،لكن عند الأختلاف يجب ان يكون طرح الرأي بعيداً عن التعصب، والانفعال،وأن يستوعب الرأي الآخر للاستفادة من معلوماته وخبراته.
قيل:على الانسان ان يجتهد في استماع وجهة نظر الآخرين فقد يكونون على حق، وينظرون الى الأمور من طرف آخر غير الطرف الذي تنظر إليه،فالذي يرتدي نظارة ملونة،يرى الدنيا من حوله ملونة،والذي ينظر من خلال نظارة بيضاء يرى الدنيا بلون أبيض.
ينقل: ((ان "سقراط" اتبع أسلوباً فريداً لكسب الناس الى جنبه،فعندما كان يناقش أحدهم لم يكن يجادله ابداً، وإنّما كان يصل الى فكرته من دون أن يشعر غريمه بفشله،أو بضعف فكرته، فقد كان سقراط إذا أستمع الى خطيب شهير،أو سياسي كبير،يسأله عمّا إذا كان يعرف حقّاً معنى ما يقول، وقد يكون هذا الخطيب قد بدأ مثلاً إلقاء خطاب عن الشجاعة،وعظمة الاستشهاد،وعندئذ يتقدم سقراط منه ويقول له:
(معذرة لتطفلي.. ولكني إنّما أسال عن الشجاعة ماذا تعني؟).
ويجيب الخطيب في ترفع:(الشجاعة هي الثبات في موقفك عند الخطر).
فيعود سقراط يسأله:(ولكن هب أنّ براعة التدبير تقتضي منك التراجع؟).
يقول الخطيب:(حسناً..إنّك في تلك الحالة غير مضطر الى الثبات في موقفك).
فيقول سقراط:(ليست الشجاعة إذن هي الثبات في المواقف أو التراجع عنها،فما هي الشجاعة في رأيك إذاً؟).
ويقطب الخطيب جبينه مفكراً ثم يقول:(لقد حيرتني.. أخشى أن أقول إنّني لا أعرف على وجه التحديد).
وهنا يقول سقراط:(وأنا كذلك.. ولكني أتساءل:أهي شيء يختلف عن العقل؟).
أوَليست الشجاعة هي القيام بالشيء المعقول بغض النظر عن الحظ؟ عندئذٍ يقول أحد المستمعين:هذا يبدو قريباً من معنى الشجاعة.
فيلتفت سقراط الى المتكلم ويقول:( هل توافق إذاً على سبيل التجربة بطبيعة الحال-لصعوبة السؤال-على أنّ الشجاعة هي حسن التدبير بوجه عام؟ ...وأنّ الشجاعة حضور الذهن،أمّا الوضع العكسي في تلك الحالة،فهو سرعة الأنفعال وأن يصيح من الشّدّة بحيث يحجب العقل والتفكير)؟
هكذا كان يناقش سقراط الآخرين من غير جدال)).
إذاً علينا تجنب الجدال،فهو أفضل سبيل لكسب عداء الآخرين،وكما جاء في الحكمة:(لا محبة مع كثرة المراء).ً
https://telegram.me/buratha