ان ما يميز تجربتنا الديمقراطية عن التجارب الاخرى في الدول المستقرة، انها نشأت في ظل ثورة الاتصالات وهيمنة الاعلام الذي يستخدم التكرار والتلقين بغية حشر الافكار في عقول الناس بصرف النظر عن سلامتها, على الثقافة التي تستخدم التروي والادلة في سبيل الاقناع والتي بار سوقها في الاوساط الشعبية اسيرة الاعلام.
هذه الاشكالية ادت الى خلل كبير في بنية الدولة من تشريعات وسلوكيات تنفيذية, فبدل ان تشرع القوانين التي تضع الركيزة المتينة لبناء الدولة ابدلت بكثير من القوانين التي تعطي الامتيازات لفئة دون اخرى، وهذا ادى الى ان ينتظم كلٌ في فئة خاصة, تختلق الاعذار لكسب الامتيازات، فكانت القوانين تأتي تباعا من دون رعاية لمبادئ العدالة واحترام أسس العمل والانتاج والفاعلية.
كما ساهمت سطوة الاعلام الى عبثية وتناقض في مواقف الناس ومطالبهم, في مجال السياسة والاقتصاد وكثير من مناحي الحياة الاخرى, فقبل ايام ارسلت رئاسة الجمهورية مسودة قانون الانتخابات الى البرلمان لغرض تشريعه, ولاتخفى الأهمية القصوى لقانون الانتخابات في تنظيم الحياة السياسية وترشيدها, ولكن هل يعبر هذا القانون عن رغبة الجمهور في تقليص عدد الاحزاب والكيانات السياسية ام انه يراكم المزيد منها من دون تباين في مناهجها وسياساتها؟!
مشكلة هذه المسودة انها تساهم بشكل كبير في نشوء مزيد من الاحزاب والتي بعضها عبارة عن احزاب ظل, للاستفادة من اي قانون يعطي فرصة للاحزاب الصغيرة وبالتالي هو نوع من التحايل على الناس لكسب اصواتهم, وذلك من خلال اعتمادها للنظام المختلط ولتقليل الرقم الاول الى 1,5 في قانون سانت لوغو.
اعتدنا ان يروج الاعلام للشيء ونقيضه فقد ينبري البعض للدفاع عن المسودة, لانها تضمن لمن يأتي باعلى الاصوات دخول المؤسسات التشريعية, هذا وأن كان مقبول من حيث المبدأ الا انه ينتناقض مع رغبة المجتمع في ترشيد العملية السياسية من خلال تقليل الاحزاب والحد من كثرتها, خصوصا إنها تحمل نفس الشعارات وتفتقد الى الكثير السياسات العامة, واليات العمل الواضحة, اضافة الى انه لا يشجع ان تندمج تلك الاحزاب الصغيرة والشخصيات النافذة في كتل كبيرة وتكون لها القابلية على المنافسة وحصد المقاعد الانتخابية وتشكل خياراً مقبولاً للناخب.
لقد شهدت انتخابات مجالس المحافظات قانونا اقل قدرة على تشجيع الاحزاب الصغيرة من هذه المسودة, ولاحظنا حجم المشاكل التي شهدتها المحافظات جميعا من تغيير مستمر لمحافظيها وتعطل تشكيل حكوماتها وابتزاز افراد وكتل صغيرة للمجموع, حتى شاع مصطلح (اليكات) في اشارة الى تحكم افراد في مجالس المحافظات لا لشيء سوى لانهم رقم في اكتمال النصاب القانوني لاي مشروع, مما انعكس سلبا على المواطنين.
على المؤسسة التشريعية ان تتحلى بالحكمة وتقدم المصلحة العليا للبلد وان تولي هذا القانون الاهمية القصوى وان تقر ما من شأنه ترشيد الحياة السياسية وتبتعد عن التأثر بصخب الاعلام اللحظي.
https://telegram.me/buratha