كفلت جميع النظم الوضعية, وكذلك النظم الشرعية, وجود البينة للأخذ بالاتهامات الموجهة لجهة معينة أو مؤسسات أو أفراد.
والمدعى عليه مكفول الحق ليأتي بالبينة التي تدحض الاتهامات الموجهة إليه, والدفاع عن نفسه وتوضيح الحقائق أمام المجتمع.
ينقل لي أحد القضاة من أصدقائي يقول "لو إن قاضيا يعلم بأن المتهم الماثل أمامه قاتلٌ, ولكن لا وجود لبينة أو دليل على هذا الإتهام, فالقاضي ملزم بالأخذ بالقرائن وعدم الحكم على المتهم بهواه أو بما يحسه, وعليه فيحكم بالبراءة في هذه الحالة".
القرينة والدليل والبينة هي منهج إنساني قبل أن يكون شرعي, فلو رمينا التهم جزافا! لرأينا إن المجتمع سيتفكك ويتحلل, وتغيب الثقة بين الناس, وقد أكد الفكر القرآني على وجود البينة والدليل قبل الحكم على الآخرين حيث قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6( سورة الحجرات, واعتبر إن رمي التهم جزافا هو من الجهالة, وإن هذا الفعل سيفضي إلى الندامة, لما له من مردودات سلبية على مستوى سمعة الأفراد والمؤسسات والمجتمعات.
"كلهم حرامية" و"باسم الدين باكونه الحرامية" و"الاسلاميين حرامية" كلها شعارات انتشرت في العراق كانتشار النار في الهشيم, شعارات باعت الأخضر بسعر اليابس, وجعلت جميع الناس متهمين سواء أكانوا مسؤولين أو موظفي خدمة عامة.
الحقيقة إن هذا التعميم والمفهوم قدم الفائدة للصوص والسرّاق أكثر من غيرهم, بل أصحب اللصوص أكثر سلاطة في اللسان, وبدأوا يروجون هذا المفهوم أكثر, ويستدروا به عواطف الناس, ليظهروا هم –اللصوص- بصورة المصلحين الحريصين على حقوق الشعب, وفعلهم هذا يذكرني بالمثل الشعبي الجنوبي الذي يقول "هايشة البواكه تريدلها رفاكه".
كما إن التعميم صار حجر عثرة أمام المخلصين والنزيهين والشرفاء, فمفهوم "كلهم حرامية" سيمنع أي مخلص ونزيه من التصدي خشية أن تصاب سمعته بسوء, كذلك فإن مفهوم "باسم الدين باكونه الحرامية" لا يعفي غيرهم من مدنيين وعلمانيين وليبراليين من شائبة الفساد.
https://telegram.me/buratha