عزيز الابراهيمي
بين المرجعية الدينية ومدعي المدنية علاقة جدلية, تتقابل فيها روح المسؤولية مع روح التسلط, وارادة بناء الدولة مع الحرص على التحكم فيها, والاستعداد للتضحية والاحجام عنها, انتظارا لمواعيد قطف ما يزرعه الاخرون, كما يتقابل فيها العطاء بلا حدود مع الاخذ بلا حدود, وارادة الحياة للاخر مع ارادة الموت له.
عندما كان يقتل أبناء المراجع ويغرق بعضهم مع أتباعهم ومناصريهم في جنوب العراق, حيث كانوا يصدون الاحتلال البريطاني, كان دعاة المدنية يقضون ليالي حمراء في قصور الدولة العثمانية, وعندما نهض المراجع وأتباعهم في ثورة العشرين, التي على لظى لهيبها بنيت الدولة العراقية الحديثة, كان أولئك يرتبون مواقعهم الجديد, بعد أن أداروا وجوههم صوب المحتل البريطاني, وعندما هُجِر المراجع من ارض الرافدين؛ لأنهم رفضوا إدخال العراق في معاهدة ترتهن مستقبله, كان أصحاب المدنية بين مشرف على التهجير ومؤيد له, وعندما وصفت المرجعية الفكر الشيوعي بأنه كفر والحاد-وقد تجنبت وصف من اعتنق هذا الفكر بالكافر- حفاظا على ثقافة هذا الشعب, وحرصا على عدم ذهاب مستقبل أبناءه هباءً وراء فكر أثبتت التجربة, بعد العقل هزالته, كانت الاعتداءات تمارس على المراجع في طريقهم الى الصلاة, وعندما أطبق ظلام البعث على هذا الشعب, دفعت ضريبة المقاومة من دماء المراجع وأتباعهم, وإذ جاء الاحتلال, كان للمراجع موقفهم في مواجهة محتل بحجم أمريكا بقوة المنطق, ونقاء الحجة, وتحريك الجماهير, من اجل أن يبنوا دولتهم, ويكتبوا ميثاق عيشهم بأيديهم, ويتحملوا مسؤولية اختيارهم, حيث كان دعاة المدنية بين ملتصق بالمحتل لا يكاد يفارقه ومتخفيٍ خائف من نقمة الشعب بعد قضى شطرا من حياة في دعم جرذان البعث العنجهية ولم يرفع هذا الخوف إلا مواقف المراجع برفض أي عملية انتقامية وتحريمها.
لا يقول احد بان المراجع يوما طلبوا حكماً لأتباعهم, إلا من خلال آليات يعتمدها الجميع, ولم يحرضوا يوما على الإنتقام من أي فئة من فئات هذا الشعب المتنوع, فعندما كانوا ينتقدون, فان نقدهم ينصب على تقهقرٌ في العدل, أو انحراف في الفكر, فكانت دعواتهم إلى إصلاح الظالم, وهداية المنحرف, ولم يصدر منهم يوما ما يمس بالوحدة, أو ما يضر بالتعايش.
كان الاعتداء على المراجع الكرام سابقاً يجد له من يبرره؛ لأنه يصدر من الحكام الذين يرون أي جهة تدعوا إلى الوعي, وتحرض على العدل, تهديدا لوجودهم, ولكن أي مبرر لمن يسيء إليهم اليوم من متظاهرين, وغيرهم, وهم لم يتمتعوا بحق التظاهر إلا ببركة جهود المراجع, ولم يحظوا بالأمن من تسلط قوى الإرهاب إلا بفتاويهم ودماء أتباعهم.
قديما أجبر الإمام علي عليه السلام على قبول التحكيم ولم يسمع الجُهال نصحه فاختاروا بجهلهم من فرط بحقوقهم.... ولكنهم أصروا على إشراك الإمام بخطأهم وأرادوا أن يحملوه ما تحملوا من وزر! .... وعندما كان أمير المؤمنين ينفق من أجل إصلاح إبن ملجم كان يخطط لقتله!, إنه التاريخ الذي من يطالعه يجده يتكرر بين الفينة والأخرى.
https://telegram.me/buratha