متوهم من يظن, ان نجاح الحكومة المقبلة متوقف على إطلاق يد السيد عادل عبد المهدي في اختيار كابينته الوزارية من التكنوقراط المستقل, ومنشأ هذا التوهم يعود الى اعتقاد ان فشل ونجاح الوزارة يعود فقط الى شخص الوزير وإمكانياته الذاتية ونزاهته, وهذا لعمري من الأخطاء التي تلصق بذهنية الشارع العراقي, والتي يستفيد منها الساسة في التغطية على أسباب الفشل الرئيسيّة الاخرى, والتخلي عن مسؤولية رفعها
لا نحتاج الى التذكير الى كوّن التكنوقراط المستقل وحده ليس كفيلا بنجاح الوزارة, وشاهد ذلك وزير الموارد المائية التي تستقر وزارته في قاع الفشل، ويشاركه في ذلك كل الوزراء المستقلين في حكومة السيد العبادي, لذا لا بد ان نبحث بجدية عن الأسباب الاخرى التي تساهم في الفشل الحكومي وتراجع اداء الوزارات، وبعد الإقرار ان شخص الوزير احد أسباب الفشل نؤكد انه الأقل أهمية, ويسبقه امران مهمان يغفل عنهما عامة الناس, ويعيهما جيدا المشتغلين في الحقل السياسي وهما:
الصلاحيات الممنوحة للوزير: يكاد الوزير في الحكومة العراقية ان يكون سلطان مطلق في مملكته, فهو يحيي ويميت ويفقر ويغني(التعبير مجازي) فلديه صلاحيات واسعة جدا, لكن من اهم تلك الصلاحيات والتي يسيل لها اللعاب, هي تحكمه في المشاريع واحالاتها وسلطته في التوظيف والتعيينات داخل وزارته, ولو رفع هذين الامرين من الوزير لقل الفساد وكذا التهافت المحموم على نيل الوزارة, ولانشغل الوزير بمتابعة مهام وزارته, والخلاص من هذا البلاء يكمن في انشاء مجلس إعمار تعود اليه صلاحيات إقرار المشاريع, ومجلس خدمة يكون مسؤلا عن التعيينات, وهذا ما يحتاج الى مبادرة الحكومة في اقتراح القوانين وتحمل مجلس النواب مسؤولية تشريعها.
والامر الأهم من بين أسباب الفشل, عدم إيجاد قاعدة من التشريعات التي تجعل عمل الحكومة منسجم ومتكامل, لتؤتي ثمارها وتعطي للدولة رؤية اقتصادية واضحة, تؤدي الى انقلاب في المفاهيم والممارسات السائدة, والتي ساهمت في ترهل الدولة وتراجعها, وهذا امر ليس بالهين لانه يحتاج الى حماس نيابي كبير, وقدرة على مواجهة الضغوط الكبيرة وخاصة الشعبية منها.
لاشك ان برنامج السيد عادل عبد المهدي المرتقب سيتضمن معالجة منافذ الفساد المذكورة, ولكن المشكلة ان كثير من الأمور تحتاج الى تشريعات برلمانية متوقفة على قناعة النواب ومساندتهم لانجاح الحكومة, والذي يمكن توفره اذا كانت كتلهم ممثلة في الحكومة, بشكل يجعلها تستفيد سياسيا من اَي نجاح تحققه الحكومة المقبلة.
اما هذا التخلي وايكال امر الوزارات الى السيد عادل عبد المهدي والذي بدأ بالتيار الصدري, ثم الفتح ليلتحق بهم الحكمة مؤخرا, فهو امر يدعو للريبة والحذر كونه لا يخلوا من احتمالات ثلاثة :
١- ان هذه الكتل زاهدة بكل الامتيازات والمواقع وهمها الوحيد نجاح رئيس الوزراء المكلف, وانقاذ البلد مما يعاني وهذا الاحتمال لا يمكن قبوله حتى وان كننا طيبين جدا, لان الزهد في المواقع ليس من طبيعة الأحزاب ( بل ليس من حقها خصوصا الوزارة لانه تمثل سياسة وتوجه ينبغي على الحزب ان يكون حريصا على امتلاكها) كما ان حرصهم على النجاح ينبغي ان يترجم بمشاركة جادة معه على مستوى رفده بالشخصيات الكفوءة المخلصة, وتجنيد كتلهم البرلمانية لأي تشريع من شأنه إنجاح هذه الحكومة.
٢- انهم وجدوا ان البرنامج الحكومي يتضمن تجريد الوزراء من اهم صلاحياتهم في إنفاذ المشاريع والتعيينات فزهّدوا خصوصا في هذه المرحلة الحساسة.
٣- ادركوا ان هذه المرحلة مرحلة انتقالية يختلف فيها تعاطي الحكومة ازاء الشعب ونتيجة لعدم ألفة المجتمع لكثير من الأداء الحكومي الصحيح قد ينتج من ذلك تذمر واعتراض من قبل الشارع لا يريدوا ان يتحملوا تبعاته
وخلاصة القول ان إعطاء تخويل مطلق لرئيس الوزراء في اختيار كابينته ليس مؤشر جيد لرغبة حقيقية في إنجاح حكومته المرتقبة!!!
https://telegram.me/buratha