المقالات

الشيطان وديمقراطية الإعلام العراقي

1706 2018-12-14

علي عبد سلمان

 

تَعوَّدَ العراق, كبلد انتج مفهوما للحضارات, وأكتنز على فكر سياسي قديم, شرح فيه مفاهيم الحكم والدولة وسن القوانين؛ على التعامل مع نموذج للحكم الفردي (الملكي العادل, أو الطغياني المستبد)؛ إلا أن تجربة الديمقراطية بشكلها الجديد والموجودة حاليا, لم يكن له فيها دور كبير, كبلد شرقي قديم في عاداته وتقاليد السياسية, النابعة من أعرافه الاجتماعية.

دخول التجربة الديمقراطية إلى العراق, بشكل مفاجئ, ومحاولة المصدرين لها, تطبيقها بكل حيثياتها, مع عدم الأخذ بنظر الاعتبار لتراتبية التكوين العمري لها, مع عدم الاهتمام بعمر الوعي السياسي للشعب العراقي, ومقدار ما حاز عليه من تنشئة سياسية؛ أوقع هذه التجربة بمطبات كبيرة, قادت إلى فشل كبير في تطبيقها.

طبيعة الشعب العراقي اجتماعية وبامتياز, تؤمن وبشدة بعملية التواصل الاجتماعي بين أفراده وجماعاته, بل يكاد يكون مفهوم التواصل الاجتماعي عند أبنائه ومكوناته, من أهم عناصر الحياة والوجود, والأكثر, أن عملية التواصل الاجتماعي أصبحت في هذا البلد كآلية لتقييم المواقف, وتناقل المعلومات, وتحليلها وتصنيفها وتبويبها, ومعرفة الأشخاص, وتقييمهم, ومعرفة التأريخ وأحداثه, ونقل الحكم والقصص والطرائف, وإجراء الصفقات, وشراء الولاءات, وبيع الوظائف والمهن التي تحتاج إلى تخصصات! بل وتجاوز ذلك كله, إذ أصبح التواصل الاجتماعي لدى هذا الشعب, يعد الرقم الأول في التواصل (الإعلامي السياسي).

إذا جمعنا بين طرفي المعادلة: وجود الممارسة الديمقراطية (المؤمنة بحرية الإعلام, وفتح الباب للإعلام على مصراعيه), مع وجود أدوات قوية جدا ومتخصصة ومحترفة, في التواصل الاجتماعي ألمعلوماتي, لوجدنا انبثاق ظاهرة غريبة, عملت على تقويض مفهوم الديمقراطية السياسية من الداخل, وهي الحرية الإعلامية المفرطة, والتي تقاد في الأغلب من قبل قوى رأسمالية سياسية, سواء أكانت تابعة لقوى داخل البلد, أو قوى من خارج البلد, عمدت هذه الأدوات على توظيف جو الحرية العام والمفتوح لها, وقامت بطرح مشاريع أشخاص وكيانات, وتخريب مشاريع أشخاص وكيانات, في محاولة لغسل عقول الجمهور, وحرف تأييده من هذه الجهة لتلك.

بات الإعلام الديمقراطي العراقي ومع الأسف, أداة من أدوات تخريب الديمقراطية من الداخل, فعدم انتشار المعلومات الصحيحة, وكثرة الكذب والتضليل, قاد البلد إلى الكثير من الأخطاء والمشاكل, ساعد على ذلك كله, طبيعة المجتمع العراقي التواصلية, التي مكنت الاعلام السياسي (الذي يتحرك من خلال أجندات وعوامل دعم داخلية وخارجية) , من توظيف أدوات التواصل الاجتماعية هذه, وشراء ذمم المتمكنين فيها, والنجاح بتحريك خيارات الناس وولائاتهم, في عملية في ظاهرها هي ديمقراطية, ولكنها في حقيقتها تعتمد على استبدادا وتسلط نخب رأسمالية وسياسية معينة.

هل ينفع نظام الحكم الديمقراطي في حكم العراق؟ سؤال طرحه وبحث فيه الكثير من المختصون, وتباينت واختلفت الأجوبة فيه, إلا أن ما أعلمه علم اليقين, هو أن الديمقراطية بدأت تأكل ذاتها بذاتها في هذا البلد، ومن خلال أدواتها التي تؤمن بها, وباتت عوامل انهيارها وتشظيها متحققة بشكل كبير..

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك