علي عبد سلمان
تَعوَّدَ العراق, كبلد انتج مفهوما للحضارات, وأكتنز على فكر سياسي قديم, شرح فيه مفاهيم الحكم والدولة وسن القوانين؛ على التعامل مع نموذج للحكم الفردي (الملكي العادل, أو الطغياني المستبد)؛ إلا أن تجربة الديمقراطية بشكلها الجديد والموجودة حاليا, لم يكن له فيها دور كبير, كبلد شرقي قديم في عاداته وتقاليد السياسية, النابعة من أعرافه الاجتماعية.
دخول التجربة الديمقراطية إلى العراق, بشكل مفاجئ, ومحاولة المصدرين لها, تطبيقها بكل حيثياتها, مع عدم الأخذ بنظر الاعتبار لتراتبية التكوين العمري لها, مع عدم الاهتمام بعمر الوعي السياسي للشعب العراقي, ومقدار ما حاز عليه من تنشئة سياسية؛ أوقع هذه التجربة بمطبات كبيرة, قادت إلى فشل كبير في تطبيقها.
طبيعة الشعب العراقي اجتماعية وبامتياز, تؤمن وبشدة بعملية التواصل الاجتماعي بين أفراده وجماعاته, بل يكاد يكون مفهوم التواصل الاجتماعي عند أبنائه ومكوناته, من أهم عناصر الحياة والوجود, والأكثر, أن عملية التواصل الاجتماعي أصبحت في هذا البلد كآلية لتقييم المواقف, وتناقل المعلومات, وتحليلها وتصنيفها وتبويبها, ومعرفة الأشخاص, وتقييمهم, ومعرفة التأريخ وأحداثه, ونقل الحكم والقصص والطرائف, وإجراء الصفقات, وشراء الولاءات, وبيع الوظائف والمهن التي تحتاج إلى تخصصات! بل وتجاوز ذلك كله, إذ أصبح التواصل الاجتماعي لدى هذا الشعب, يعد الرقم الأول في التواصل (الإعلامي السياسي).
إذا جمعنا بين طرفي المعادلة: وجود الممارسة الديمقراطية (المؤمنة بحرية الإعلام, وفتح الباب للإعلام على مصراعيه), مع وجود أدوات قوية جدا ومتخصصة ومحترفة, في التواصل الاجتماعي ألمعلوماتي, لوجدنا انبثاق ظاهرة غريبة, عملت على تقويض مفهوم الديمقراطية السياسية من الداخل, وهي الحرية الإعلامية المفرطة, والتي تقاد في الأغلب من قبل قوى رأسمالية سياسية, سواء أكانت تابعة لقوى داخل البلد, أو قوى من خارج البلد, عمدت هذه الأدوات على توظيف جو الحرية العام والمفتوح لها, وقامت بطرح مشاريع أشخاص وكيانات, وتخريب مشاريع أشخاص وكيانات, في محاولة لغسل عقول الجمهور, وحرف تأييده من هذه الجهة لتلك.
بات الإعلام الديمقراطي العراقي ومع الأسف, أداة من أدوات تخريب الديمقراطية من الداخل, فعدم انتشار المعلومات الصحيحة, وكثرة الكذب والتضليل, قاد البلد إلى الكثير من الأخطاء والمشاكل, ساعد على ذلك كله, طبيعة المجتمع العراقي التواصلية, التي مكنت الاعلام السياسي (الذي يتحرك من خلال أجندات وعوامل دعم داخلية وخارجية) , من توظيف أدوات التواصل الاجتماعية هذه, وشراء ذمم المتمكنين فيها, والنجاح بتحريك خيارات الناس وولائاتهم, في عملية في ظاهرها هي ديمقراطية, ولكنها في حقيقتها تعتمد على استبدادا وتسلط نخب رأسمالية وسياسية معينة.
هل ينفع نظام الحكم الديمقراطي في حكم العراق؟ سؤال طرحه وبحث فيه الكثير من المختصون, وتباينت واختلفت الأجوبة فيه, إلا أن ما أعلمه علم اليقين, هو أن الديمقراطية بدأت تأكل ذاتها بذاتها في هذا البلد، ومن خلال أدواتها التي تؤمن بها, وباتت عوامل انهيارها وتشظيها متحققة بشكل كبير..
https://telegram.me/buratha