عزيز الابراهيمي
يلعب النفط دورا محوريا في تقدم البلدان وإزدهارها, بقدر تأثيرة في خرابها وتقهقرها ,لا من حيث أهميته للدول الكبرى التي تعمد الى التدخل بشكل مباشر او غير مباشر في صياغة النظام السياسي للدول المنتجة له وحسب , وإنما اعتمادا على قدرة البلدان على ترويضه, وإدخاله في هيكل المنظومة الانتاجية, التي تمثل عماد اقتصادها.
المفترض إن البناء الإقتصادي لأي دولة يقوم على أساس عناصر الإنتاج, التي يحتل الجهد البشري قمة الهرم فيها, والمحرك لها في فضائي الزراعة والصناعة في حركة مغزلية, تبتدء من الثروات الطبيعية لتنتهي بالخدمات التي تقدمها الحكومات لتعود الحركة من جديد ولكن في درجة اعلى من سلم الحضارة .
فقديما قامت الحضارات في البلدان عندما كان الجهد البشري حاكما على الثروات الطبيعية, ومطوعا لها, فقدرة الإنسان في بلاد الرافدين على التحكم بالمياه هي التي مكنته من إقامة الحضارات في هذه البلاد, وبالدرجة نفسها يعود الفضل في وجود الحضارات في ارض مصر, الى قدرة المصريين القدامى على التحكم في مياه النيل وترويضها, بينما كانت أنهارا كثيرة في أفريقيا تشق طريقها نحو البحر .
ولم يكن النفط كباقي الثروات الطبيعية في منطقتنا لأنه ولد غريبا ولم تكن لأهل هذه الأرض يدا في إنجابه, ولم يستطيعوا أن يجعلوه في خدمة القطاعات الإنتاجية الحقيقة المتمثلة بالزراعة والصناعة وباقي الخدمات, لما فيه من طاقة وديناميكية ووفرة مالية لا تمهل الأنظمة البطيئة التي نخرتها الصراعات الحزبية .
ومع المحاولات التي قام بها مجلس الاعمار في الخمسينيات, لأستثمار موارد النفط المتزايدة, في دعم القطاعات المنتجة وتنميتها من خلال بناء السدود, وبعض المنشأت الصناعية وترميم الهيكل الاقتصادي إلا إن ركاكة النظام السياسي ساهمت في أن تحل في البلد ما يسمى بلعنة النفط .
فمع عدم وجود نظام سياسي فاعل وقادر على تسخير النفط لخدمة القطاعات الانتاجية فإن لعنة النفط سوف تحل حيثما وجدت هذه الثروة , وذلك من خلال خلق الأنظمة الدكتاتورية المستبدة, فالسيولة التي يوفرها النفط للحكومة المستبدة تجعلها مستغنية عن ما كانت تعتاش عليه الحكومات السابقة من ضرائب ورسوم, والتي تؤخذ من العامل والفلاح لقاء ما تقدمه الدولة من خدمات عامة وأمن. ففي الوقت الذي كانت الحكومة تعتاش على المواطن, يصبح في ظل الحكومة المستبدة المالكة لموارد النفط منتظرا ما تقدمه اليه من صدقات وخدمات, فتشل حركة نحو الأنتاج والفاعلية, كما تشتري سكوت البعض على ما تقوم به من حماقات وتنتقم من دون رحمة من ناقديها .
ويتمثل الجانب الآخر من لعنة النفط بقدرته على تشويه الديمقراطية من خلال قيام الحكام المنتخبون بالتلويح بالمصالح القريبة وعدم البدء بالمشاريع الستراتيجية طويلة الأمد ومحاولة إرضاء الناخب بالمنح والهبات التي تخلق مجتمع إستهلاكي ولا تساعد في تعديل ما تشوه من اقتصاد البلد .
نأمل ان تساهم هذه الازمة في ايجاد وعي حقيقي بضرورة تصليح ما فسد من اقتصادنا, ليقف هذا البلد على بداية طريق التقدم والأنتاج, لا ان يبقى يرتقب ما يقرره المضاربون في أسواق النفط
https://telegram.me/buratha