علي عبد سلمان
يؤكد المحللون السياسيون أن ظاهرة الأنشقاقات السياسية والحزبية ليست مقتصرة على العراق فحسب، بل هي سمة العمل الحزبي والسياسي في كل بلدان العالم، لكنها في العراق أخذت منحى آخر، لدرجة أن بعض التشكيلات السياسية بدأت بها إنشقاقات قبل ميلادها! بمعنى أن الأحزاب تحمل معها بذرة الأنشقاق لحظة تشكلها. وهكذا فإن هذه الظاهرة أستشرت وتحولت الى معلم من معالم الحياة السياسية العراقية ، متخذة عناوين غير الأنشقاق.
من بين أفضل العناوين التي يختارها المنشقون تعبير الأصلاح السياسي، وهو التعبير الذي أتخذه السيد ابراهيم الجعفري عند أنشقاقه من حزب الدعوة الأسلامية، أو ما سماه طارق الهاشمي لحركته التي خرج بها عن الحزب الأسلامي العراقي الذي كان أمينه العام ثم أزيح عن هذا المنصب فشكل ما أسماه بحركة تجديد، وهكذا تحولت هذه الظاهرة الى قاعدة لا استثناء، ولم ينج منها حتى أصحاب “ الكاريزما”، لتغرق الأحزاب في مشاكلها الداخلية بدلا من تنمية برامجها والتموقع أكثر بالخارطة السياسية بما يخدم المواطن.
بالحقيقة فإن هذه الظاهرة ليست إلا أداة لتكسير الأحزاب وتقزيمها والبعض الآخر حرب مواقع تبدأ مع الاستحقاقات. وهي دليل على صراع كراسي لا صراع أفكار.
في ابسط التوصيفات هي شق عصا الطاعة عن القيادة بالأحزاب السياسية. فهي تعكس حرب المواقع والرغبة في الحصول على المناصب ولا علاقة لها بالصراع الإيديولوجي أو اختلاف وجهات النظر، وهي ليست حالة صحية تستوجبها الحياة الديمقراطية، كما يحاول البعض إيهام الرأي العام، والدليل أن المنشقين لا يملكون برامج تخالف قيادات أحزابهم. وفي أغلب الأحيان نجد أن الطرح السياسي غائب عند من ينشقون تحت عناوين الأصلاح أو التقويم أو التجديد.
بعض الحركات المنشقة عن الأحزاب الأم لا وجود لها إلا على الأنترنيت..!
أن الانشقاق داخل الحزب السياسي يعود لعاملين أساسيين، إما لتمسك رئيس الحزب بمنصبه ليصبح هو المؤسسات الحزبية وهو الآمر والناهي، وفي حال ثار الجيل السياسي الجديد يتهمه بالانحراف، ويكمن السبب الثاني في غياب أدوات قانونية وتشريعية تعنى بالتثقيف والتوجيه للحفاظ على عدم الخروج عن الخط العام للحزب. ومن المفيد الأعتراف بأن النزاعات الداخلية بين أعضاء أي حزب ظاهرة طبيعية وموجودة في أغلب التشكلات السياسية، لكن وجودها يتعين أن يكون في الحدود الطبيعية للتنافس، لا أن تتطور الى خروج الكوادر ورحيل بعض القيادات الى أحزاب أخرى ، مع أن هناك من الآراء من يرى في
رحيل بعض الإطارات إلى أحزاب أخرى ظاهرة صحية وتنم عن الأجواء الديمقراطية داخل الحزب الأم، لكنها على كل حال مؤشرا واضحا ومقياس عملي على فقدان المناعة الداخلية للحزب السياسي..في حين يذهب آخرين الى أن المحيط السياسي في العراق مازالت تسيره مازالت تسيره ثقافة الإدارة والكثير من السياسيين يريدون تحويل أحزابهم إلى وسائل للتمكين لأنفسهم.
انتشرت بشكل كبير مع غياب الانضباط الحزبي الذي يلزم بالامتثال للقرارات المنبثقة عن المؤسسات لا الأشخاص، مع العرض أن السمة الأبرز في العمل السياسي العراقي أن الأحزاب السياسية لا تناضل من أجل التداول على السلطة، بل لتحسين رصيدها الانتخابي لأن آفاق المستقبل مسدودة..وفي أغلب الأحيان فإن ضعف المناعة الداخلية للحزب تشجع على اختراقه خارجيا من أجل تحطيمه. ومشهد العمل الحزبي أمام القيادات التي تعاني أحزابها من الأنشقاقات معقد بعض الشيء.
على القيادات أن تعمل بمثابرة على ثلاث جبهات : جبهة التحضير للاستحقاقات المقبلة والتموقع أكثر بالساحة السياسية من جهة ومواجهة الأنشقاقيين وأدعياء الأصلاح الداخلي بروح منفتحة من جهة وخصومه من جهة أخرى.
وعلى أية حال فمثلما قلنا في المقدمة فإن الأنشقاقت السياسية ظاهرة عالمية وليست حكرا على بلد بعينه، خاصة في الأحزاب العتيدة، التي تخرج من رحمها تنظيمات سياسية جديدة، لكن في العراق أخذت منحى آخر، خاصة للتشكيلات السياسية الصغيرة التي تبحث عن مواقع نفوذ، لتنشغل بمشاكلها الداخلية وتنصرف عن تنمية برامجها والبحث عن حلول لانشغالات المواطن لرفع رصيدها في بورصة الانتخابات.
https://telegram.me/buratha