المقالات

التنمية البشرية في المنظور الإسلامي

1947 2019-03-04

علي عبد سلمان

 

عرف مصطلح التنمية طريقه للظهور بعد الحرب العالمية الثانية، واقتصر مفهوم التنمية منذ ذلك الوقت وحتى نهاية عقد الثمانينيات على الكمية التي يحصل عليها الفرد من سلع وخدمات مادية، حيث كان الاهتمام منصباً فقط على النظرة الاقتصادية البحتة من خلال التركيز على النمو الاقتصادي، وتحسين ميزان المدفوعات، وتنمية الصادرات، باعتبارها المقياس الحقيقي للتقدم والتنمية.

في عام 1990م تبنى برنامج الأمم المتحدة للإنماء مفهوماً للتنمية البشرية بمقتضاه أصبح الإنسان هو صانع التنمية وهدفها، وذلك باعتبار البشر هم الثروة الحقيقة للأمم، وأن التنمية البشرية هي عملية توسيع خيارات البشر، وأن قدرات أي أمة تكمن فيما تمتلكه من طاقات بشرية مؤهلة ومدربة وقادرة على التكيف والتعامل مع أي جديد بكفاءة وفاعلية.

وفي عام 2002م تبنى برنامج الأمم المتحدة للإنماء مفهوماً للتنمية الإنسانية بديلاً عن التنمية البشرية في أول تقرير صادر له عن التنمية الإنسانية في الدول العربية، على أساس أن التنمية تتجاوز في جوهرها الأبعاد المادية إلى الأبعاد المعنوية التي تمتد لتشمل الحكم الجيد، ووضع المرأة في المجتمع ومدى تمتعها بحقوقها داخله.

وقد عرف التقرير «التنمية الإنسانية» بأنها «عملية توسيع الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية»، وأنها «تنمية الناس، ومن أجل الناس، من قِبل الناس»، وتشمل تنمية الناس بناء القدرات الإنسانية عن طريق تنمية الموارد البشرية، ويعني القول «التنمية من أجل الناس» أن مردود النمو يجب أن يظهر في حياة الناس، والقول «التنمية من قبل الناس» يعني تمكينهم من المشاركة بفاعلية في التأثير على العمليات التي تشكل جوهر حياتهم.

والتنمية الإنسانية بذلك أوسع من مفاهيم التنمية حتى التي تركز على الإنسان، فتنمية الموارد البشرية تؤكد رأس المال البشرى فقط، وتعامل الناس كمدخل في عملية التنمية، ولكن ليس كمنتفعين منها، ويركز نهج الحاجات الأساسية على متطلبات الإنسان، ولكن ليس على خياراتهم، وينظر نهج رفاه الإنسان إلى الناس كمنتفعين وليس كمشاركين فاعلين في العمليات التي تشكل حياتهم، أما التنمية الإنسانية فهي باشتمالها على جميع هذه الجوانب تعد أكثر شمولاً تجاه التنمية.

وأياً كان الاسم، فإن مضمونه هو الذي يحوي مفهومه، وسواء أكانت التنمية بشرية أو إنسانية فإنها في حقيقتها مترادفات ويبقى مدلول المسمى، فالتنمية سواء سميت بشرية أو إنسانية ينبغي ألا تنتهي عند تكوين القدرات البشرية، مثل: تحسين الصحة وتطوير المعرفة والمهارات؛ بل يجب أن تمتد إلى أبعد من ذلك؛ حيث الانتفاع بها سواء في مجال العمل من خلال توافر فرص الإبداع، أو التمتع بوقت الفراغ، أو الاستمتاع باحترام الذات وضمان حقوق الإنسان، أو المساهمة الفاعلة في النشاطات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، وترسيخ مفاهيم الحرية والعدل والمساواة، فالتنمية البشرية أو الإنسانية ليست مجرد تنمية موارد بشرية، بل تمتد لتشمل التنمية بجوانبها الشاملة والمتكاملة، فهي لا ترتبط فقط بحياة البشر بل ترتبط في الوقت نفسه بجودة حياة البشر.

 

الإسلام والتنمية البشرية

ينظر الإسلام للتنمية البشرية على أنها الحياة الطيبة، وهو بذلك سبق وفاق ما كان عليه مفهومها وما آل إليه وما اختلف في مسماها، فهو لا ينظر لصنع الثروة بقدر ما ينظر إلى صانع تلك الثروة وهو الإنسان، ذلك المخلوق الذي له القدرة على صنع الثروة وفي الوقت نفسه لا تصنعه الثروة، وهو بطبيعته أكرم مخلوق، ومن أجله سخر له الله تعالى الكون خادماً لا مستخدماً فقال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً {70}) (الإسراء).

وتنبعث الرؤية التنموية في الإسلام من قضية الاستخلاف وفلسفته في العلاقة بين الإنسان والكون ومالكهما رب العالمين، وهو مفهوم يجمع بين التنمية الروحية والمادية، ويُعلي من شأن النفس الإنسانية، ويضعها موضع التكريم اللائق بها، والذي يُمَكِّنها من أداء دورها في تعمير الكون وتحقيق العبودية الخالصة لخالق هذا الكون وحده.

 

إن مفهوم التنمية في الإسلام يتجاوز المنظور المادي وتحقيق الرفاهية القائمة على إشباع متطلبات الجسد، ويمتد إلى طلبات الروح والعقل التي لا تقل عن الناحية المادية في الحياة، فالإنسان بفكره هو الذي يصنع الماديات، وقد توجد الماديات ولا يوجد الإنسان المفكر المتحضر، فالفكر قبل المادة.

وفي الإسلام تهدف التنمية بصفة أساسية إلى تحقيق الأمن المادي من الجوع والأمن المعنوي من الخوف؛ (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ {4}‏) (قريش)، فالإسلام يريد من خلال عملية التنمية توفير الحياة الطيبة الكريمة لكل إنسان؛ (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {97}) (النحل)، حياة تسمو بالروح والجسد، ويسودها روح الإخاء والتكافل والمودة والرحمة، وترفرف عليها مظلة الأمن والعدل والحرية والمساواة، وتخلو من شبح الجوع والخوف والكراهية والبغضاء والأثرة، وتراعي العدالة في توزيع الدخول والثروة حتى لا يكون المال دولة بين الأغنياء وحدهم.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك