المقالات

متى يسدد النظام القائم فاتورة القضية الفيلية؟!


طيب العراقي

 

كنا قد توصلنا في مقاربة سابقة، الى أن الأنظمة الديكتاتورية، تطحن الهويات الفرعية والانتماءات بجميع أشكالها؛ لتصهرها في شخص الزعيم وحزبه، إذ لا يمكن لحملة الفكر الشمولي أن يتصورا؛ وجود هوية غير هويتهم، وفي العراق جرى على قدم وساق وطيلة 40عاما من الحكم البعثي، تغييب الهويات الفرعية، لصالح هوية الحزب وقيادته، وكنا نسمع بأستمرار شعار "اذا قال صدام قال العراق"..بمعنى أنه طان محرما على أي رؤية أو فكر أو ثقافة؛ أن تعبر عن نفسها، وفقط كان مسموحا للثقافة البعثية أن تسود.

كان تغييب الهويات الفرعية يجري بتخطيط خبيث متقن، وكان ينفذ من قبل أجهزة الدولة البعثية جميعها، وكل حسب تخصصه، لكن الإقتلاع من الجذور بالتهجير والقتل والتشريد، كان تخصص الأجهزة الأمنية القمعية، وبإسهام فاعل من قبل القوات العسكرية، التي تولت مهمة التهجير وسفك الدماء، وكان الفيليين ولأسباب معروفة؛ بعضها ديني مذهبي، وبعضها عنصري قوم،  يمثلون الهدف الدائم للسلطات البعثية.

 لقد كان ما كان في العراق؛ الذي زالت سلطته المركزية عام2003،وقتها تبين أن تشظّي الدولة احتمال قائم، وفور الإطاحة بصدام حسين؛ كانت هناك مخاوف من احتمال؛ عودة البلاد إلى «مكوناتها الأساسية»، كردة فعل منطقية لسياسات التهميش والإجتثاث، وكان متوقعا أن ينتقم المهمشين والمجتثين من شانئيهم، بل كان متوقعا أن تحدث مجازر، يصاحبها ظهور أشكال جديدة من الولاءات والانتماءات، بما يعكس نسيج المجتمع الحقيقي.

لكن الفيليين لم يتصرفوا على هذا النحو قط، فعلى الرغم من ان الأجواء كانت مهيأة الى ذلك، إلا أنهم سلكوا الطرق الديمقراطية لتحصيل حقوقهم، والتعبير عن هويتهم الأثنية والثقافية، التي لم يغلبوها على هويتهم الوطنية، التي بقيت مقدمة لديهم وبمساقة كبيرة على هويتهم الفرعية، مع أنه بالعادة  وفور الانفكاك من ربقة الاستبداد، تظهر على السطح إنكفاءات المكونات الأثنية، نحو ذواتها بشكل لافت، خصوصا أن السلطة البعثية كانت قد أخفقت على مدى عقود، في إيجاد هوية وطنية جامعة تتسع لجميع الأطياف.

الحقيقة وفي ظل عدم حل القضية الفيلية من جذورها، من قبل النظام الذي أتى بعد الأطاحة بصدام حسين، لا يمكن الإطمئنان الى الأبد، الى أن المظلوم لا ينتفض رافضا الظلم، وسيكون إستمرار عدم حل القضية الفيلية حلا جذريا عادلا، مدعاة لحصول تغير دراماتيكي؛ في موقف الفيليين المظلومين تجاه النظام القائم، ومن المحتمل جدا أن لا يبقون كتلة صماء، بل سيعلنون عن أنفسهم في لحظة ما!

المقود بإعلان الفيليين عن أنفسهم، هو تحولهم من داعم للعملية السياسية والنظام القائم الذي أنتجته، الى خصوم حقيقيين لها، مع ما يتبع هذه الخصومة من تطورات، ستكون بالتأكيد ليست في صالح إستقرار العراق.

إن بقاء القضية الفيلية بدون حل ناجز، سيكون سببا لحصول صراع متفجر لا تحمد عقباه، ومن الممكن أن ينتقل الفيليين من الإيجابية الى السلبية بكل أبعادها، لأنهم مكون يريد إعترافا بوجوده على أرضه في موطنه التأريخي المعروف.

بذرة الصراع موجودة وكامنة، بانتظار لحظة الإنبات المناسبة، هذه البذرة تكمن في إهمال النظام القائم، وعدم تحركه نحو الفيليي؛ن مع أنهم تحركوا نحوه بخطوات واسعة، فقد كانت وفود الفيليين ما انفكت تعرض قضيتها على قيادات النظام القائم، التي حولت القضية الفيلية؛ الى ميدان لإستعراض المهارات العلاقاتية، مستغلة إياها أبشع إستغلال، مكتفية بالوعود العائمة على غيوم العملية السياسية، دون نتيجة حقيقية.

حصد ساسة ما بعد صدام حسين؛ كثير من المكاسب من الفيليين على حساب قضيتهم العادلة، ولقد آن الأوان لتسديد الحساب..!

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك