عزيز الإبراهيمي
كنت استرق السمع، لأعرف معنى الكلمات، التي كان يرددها والدي وهو يكتال الحنطة، بعد ان ينقيها من التبن بعمليه مجهدة تسمى (الذراوة).لم تكن كلماته اسماء للأعداد، لم أفهم منها سوى (الله واحد) عند الكيل الأول، فأتحفز لمعرفة معانيها والح كثيرا فلم يكن جوابه الا: ( انها تطرح البركة يعني تصير الحنطة هواي) ، فأولي عندها وقد خالجتني نشوة الأطفال، عندما يعرفوا أمورا قد غابت عن الكبار : فكيف لكلمات غير مفهومة ان تزيد الحنطة؟!
راودتني هذه الذكريات في السنوات الأولى لسقوط النظام، وانا استمع الى توصيات المرجع الاعلى السيد السيستاني (دام ظله) اذ ورد فيها ما مضمونه ( عليكم بالأخلاص في العمل لأنه من موجبات نزول البركة) ولكن هذه المرة كنت أعي ان هذا المفهوم من صلب الثقافة الأسلامية، وكان من السهل علي إستذكار جملة من الآيات الخاصة بهذا المفهوم وتصنيفها، اذ وردت هذه المفردة في مقام ذكر الهبات الألهية، كما في قوله تعالى ) ﻭَﺑَﺎﺭَﻛْﻨَﺎ ﻋَﻠَﻴْﻪِ وعلى إسحاق ..
في اية اخرى(ِ ﺭَﺣْﻤَﺔُ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﻭَﺑَﺮَﻛﺎﺗُﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻜُﻢْ ﺃَﻫْﻞَ ﺍﻟﺒَﻴْﺖِ) ، وفي ايات اخرى نعلم ان هذا الأمر فخرأنبياء الله عليهم السلام، كما ورد في قوله تعالى (ﻭَﺟَﻌَﻠَﻨِﻲ ﻣُﺒَﺎﺭَﻛًﺎ ﺃَﻳْﻦَ ﻣَﺎ ﻛُﻨﺖُ)، بينما تبين آيات اخرى طرق إستجلاب البركة، كما ورد في أمثال قوله تعالى (ﻭَﻟَﻮْ ﺃَﻥَّ ﺃَﻫْﻞَ ﺍﻟْﻘُﺮَﻯ ﺁﻣَﻨُﻮﺍْ ﻭَﺍﺗَّﻘَﻮﺍْ ﻟَﻔَﺘَﺤْﻨَﺎ ﻋَﻠَﻴْﻬِﻢ ﺑَﺮَﻛَﺎﺕٍ ﻣِّﻦَ ﺍﻟﺴَّﻤَﺎﺀِ ﻭَﺍﻷَﺭْﺽِ)، وغيرها من الآيات الكثيرة التي تعزز مفهوم البركة في ثقافة الأنسان المسلم .
ان أي عملية إصلاحية يجب ألا تقتصر على الواقع الخارجي، من دون النظر في المفاهيم التي تحكم هذا الواقع، فنعزز ما ضمر منها، ونعرف سبل انعكاسها على الواقع الخاجي.
فهل يحكم مفهوم البركة واقعنا، وهل يلازم حركتنا، وهل وفرنا سبل الحصول عليه؟
عند استقراء واقعنا نجد في الجانب السياسي، ورغم تكاثر الأحزاب وزيادة الهم السياسي، وكثرة المشتغلين في هذا الجانب، وطول المدة، نجد اليوم فئة كبيرة من مجتمعنا تطالب بتغيير الدستور، والغاء الأحزاب، واعتماد النظام الرئاسي، ولا يتردد البعض في التعبير عن رغبته في انقلاب عسكري يطيح بكل هذه العملية فصرنا أقرب للتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا فهل فارقت البركة سياستنا ام لازال منها شيء؟!
كم هائل من القنوات الاعلامية، لكننا نجد الرأي العام(الى حد ما) تقوده بعض القنوات التي عرفت بعدائها للشعب وتجربته الديمقراطية.فأين بركة إعلامنا ؟!
واقتصادنا هو الاخر يعاني النقص في البركة فإبتدا بسعر الصرف الذي أخذ يتدهور رغم الرصيد النقدي الهائل في البنك المركزي ، ومرورا بزراعتنا التي لم يبقى وطنيا منها الا الفجل والكراث، وصناعتنا التي باتت من ذكريات الماضي، وفرص العمل المنعدمة التي تنذر بخطر كبير .
تعليمنا يفتقد الى أي إنجاز علمي معتد به، رغم تكاثر الجامعات وضخامة رواتب أساتذتها، والبحوث فيها مكررة (إن لم نقل بوجود السرقات العلمية فيها).
وامننا يعاني من نقص حاد في البركة هو الآخر، فرغم الميزانيات الهائلة، والعدد الكبير آل أمرنا الى ماترون.
انها الحقيقة التي لابد أن تكون ماثلة أمامنا، وليس سلبية التفكير، وتبرم من الواقع، وفي الثقافة الهندسية إن أريد للبناء ان يشمخ عاليا فأول خطوة هي إجراء تحري ات التربة، التي تبين لنا بصراحة حقيقة الأرض التي نريد أن نقيم عليها ذلك البناء .
https://telegram.me/buratha