عزيز الإبراهيمي
تعاني البصرة من مشكلة جوهرية بعيدا عن الخدمات وفرص العمل (وان كانت تؤثر بشكل يكاد يكون مباشر عليها).
فهي مدينة موانئ وتعتبر ثغر العراق وبوابته الى بحار العالم ومن المعلوم ان هذا النوع من المدن تكون اكثر مدن البلدان حضارة وتنوع قومي وتواجد للجنسيات المتعددة وتنوع الاستثمارات في كافة المجالات كما ان والقيود ينبغي ان تكون اقل لتسهيل حياة هذا الكم المتنوع من البشر.
ولكن واقع البصرة اليوم يختلف تماما عما موجود في اقرانها من مدن موانئ العالم, فالاعراف العشائرية فيها اكلت التحضر الذي كان موجودا قبل الثمانينات, فالناس فيها اشد تمسكا بعشائرهم وتقاليدهم والتي تتصادم مع قيم التحضر وتقلل من فرص التنوع البشري وجذب التجار والمستثمرين.
هجرة الناس الى البصرة ليس مستغربا فكل الدول يتم فيها الهجرة الى المدن التي تكثر فيها فرص العمل وتسهل الحياة ولكن ما يختلف ان كل مدن الموانئ في العالم لها القابلية على صهر قيم المهاجرين اليها باليات قانونية وطرق الحياة المتمدنة الموجودة فيها وهذا مالم يتم في البصرة.
فهي تعرضت الى حروب مدمرة قضت على الكثير من ابنائها اضافة الى مؤسساتها المدنية القادرة على صقل هويتها المتحضرة وتشذيب زوائد الوافدين اليها ... رافق ذلك هجرة عشائر بصورة شبه كاملة وايجاد وسكنت بشكل متقارب فنقلت معها قيمها وتقاليدها العشائرية حتى طغت على المدينة ككل واصبحت الحياة المدنية في البصرة اسيرة القيم العشائرية(ولا زالت) والتي لا تلائم مدن الموانئ بالمطلق.
البصرة بحاجة الى ثورة في القوانين والتشريعات وايجاد هيبة الدولة ودعم الحياة المدنية وايجاد ثقة لدى الناس في القوانين وتطبيقها حتى ترتقي الى ان تكون مدينة موانئ وعند ذلك يمكن التفكير بمجيء المستثمرين وايجاد فرص العمل ... القيم العشائرية بصراحة دمرت البصرة (ليس لانها سيئة ولكن لكونها لا تلائم مدية مثل البصرة) واصبح اهلها مستضعفين لها وهم رغم تذمرهم منها غير قادرين على الخروج منها.
ولعل هذا من الاسباب التي جعلت البصرة هذه السنين غير منتجة لمبدعين امثال السياب وذلك لانها تعيش قيم لاتتلائم مع واقعها وطبيعتها.
https://telegram.me/buratha