كندي الزهيري
في مطلع القرن التاسع عشر أو عام 1812م، على وجه التحديد قال الروائي هيرمان ميلفيل "نحن رواد العالم وطلائعه. اختارنا الرب، والانسانية تتطلع إلى سلالتنا وتنتظر منا الكثير، ونحن نشعر في مكنون انفسنا بالقدر على فعل الكثير، لقد بات لزاماً على الكثير من الأمم أن تحتل المؤخرة.. نحن الطليعة ننطلق إلى البرية لنقدم ما لم يستطع أن يقدمه الأوائل" .
وما قاله تيودور روزفلت 1919م،" العالم مصير امتنا وقدرها". تلك الأقاويل وغيرها تعكس إلى حدً كبير الروح التوسعية للفكر السياسي والاستراتيجي للولايات المتحدة في وقتنا الحاضر.
ففلاسفة الفكر الاميركي يؤمنون بأن الولايات المتحدة الأميركية امة صاحبة رسالة عالمية، وقد كلفها الله بتلك الرسالة وهذه الرسالة امتزجت مع الفكر السياسي الأميركي بروحه التوسعية ومضمونه البراغماتي الواقعي، لتظهر بمظهر الامة المكلفة بحماية الارض وبرعاية كونية، فالتفكير البراغماتي العملي يحتاج إلى النجاح حتى لو تخلى عن الروح الاخلاقية، وهذا يتسق كثيراً مع قول الكسندر هاملتون1804م، أول وزير خزانة في الولايات المتحدة بقوله" النجاح لا يعرف الاخلاق" .
فالنجاح الاميركي ربما يفرض اخلاقيات من نوعٍ آخر تختلف عن اخلاقيات العالم الآخر. هذه الأقاويل والخطب ومبادئ الرؤساء الأمريكان خلقت ارضية فكرية واصبحت خلفية فكرية للسياسات الأميركية اللاحقة، فمفهوم الشرق الأوسط ادركه العقل الاميركي منذ وقت مبكر، فتوماس جيفرسون يعتقد أن الولايات المتحدة لا تستطيع الاعتماد على أي معاهدات سلام مع أي دولة شرق أوسطية والتي ترتبط معاهداتها مع حياة حاكمها.
اذاً فالاعتقاد الراسخ في العقل الاميركي بأن جذور القيم الديموقراطية والإصلاح التي تروج لها الولايات المتحدة اليوم عبر مشروع الشرق الأوسط والعالم العربي، موجودة في القيم الدينية الأميركية والسلوك الأميركي وأن قيم الديموقراطية تتطلب هذه الارضية لتدعيمها.
يقول جون مكين (الشؤون الخارجية الأميركية)، "يجب إن نسير قدماً نحو ربط الأمم الديمقراطية بعضها مع بعض في منظمة واحدة، منظمة رابطة الديمقراطيات العالمية" وهذا ما تسعى اليه اليوم الولايات المتحدة في مشروعها الشرق أوسطي وهذه ستكون مختلفة عن خطة ودر وولسون، خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، بأنشاء عصبة الأمم ذات العضوية المفتوحة، بل اقرب إلى ما تخيله تيودور روزفلت، حيث الدول المتشابهة تعمل بشكل لصيق بعضها مع بعض من اجل السلام والحرية، وهذا ما روج له المحافظون الجدد، لفكرة تأسيس رابطة الدول الديموقراطية، يكون هدفها الدفاع والمحافظة على مصالح هذه الدول ومصلحة الولايات المتحدة بشكل خاص ، وربما هو الهدف الاكبر وراء مشروع الشرق الأوسط الكبير.
فقد وضعت الادارة الأميركية في عهد بوش الابن المصلحة الأميركية أولاً وأخيرا وتناغمت مع مقولة روزفلت" إن قدرنا هو امركة العالم"، في صياغة اميركية معاصرة تحت مفهوم النظام العالمي، مقسمة المجال لإقامة نظام شرق أوسطي وفق المقاييس الأميركية .
لذلك فإن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في بداية القرن الحادي والعشرين هي محاولة الجمع بين الترويج للقيم وقواعد السلوك بين العرب والمبنية على اساس العقيدة الأميركية مع دعم لدولة إسرائيل، التي تستند سياستها إلى الأطروحة الأميركية المضادة ،وهيمنة الاحلاف العسكرية والحكم على الشعوب الاخرى على اساس مزيج من مزاعم ليس لأي منها ترابط مع القيم الليبرالية الشاملة وهذا ما أعلنت عنه كونداليزا رايس حينما كانت مستشارة للأمن القومي الأميركي عام 2002م، بأن الولايات المتحدة تريد تحرير العالم الإسلامي ونشر الاسلوب الديمقراطي في ربوعه أولاً، وثانياً نريد تغير الأنظمة السياسية العربية، وهو ما تجلى بمشروع الشرق الأوسط الكبير، والإطاحة بنظام حليفهم صدام حسين لدمقرطة المنطقة وضمها لرابطة الديمقراطيات العالمية التي اعلن عنها المحافظون الجدد.
اذاً ما يمكن قوله أن القيم الأميركية التي خلقها المؤسسون الأوائل، والروح التوسعية للفكر السياسي الاميركي كانت دافعاً مهماً لمشروع الشرق الأوسط في المنطقة، فالخطب والتصاريح الأميركية الرسمية وغير الرسمية، الممتزجة بالقيم الأميركية الدينية وغير الدينية، مثلت مرجعاً فكرياً للسياسات الأميركية المعاصرة، وخلقت فكراً سياسياً اميركياً بُنيت على اساسه مشاريع واحتلت دول، وأسقطت أنظمة سياسية، بتلك المرجعية الفكرية، ومشروع الشرق الأوسط هو احد افرازات ذلك الفكر ،بينما امريكا تحارب من اجل الصليب ،اي حرب دينية على بقية الامم ....
https://telegram.me/buratha