كانت مدرسة قريتنا مبنية من الصرايف وهي تشكيلة من القصب وحصائره او ما يسمى (البواري) لم تكن مسيجة بل كانت الصفوف متراصة على شكل حرف L وكان التميز يلاحظ للإدارة حيث انها بنيت من اللبن(طابوق الطين)
لا توجد في الصف كهرباء بل لا يوجد له باب ايضا واغلب الظن ان الكلاب كانت تتناوب معنا لأشغال الصفوف في الفترة المسائية، بنيت تلك الصفوف على ضفاف نهر صغير (گرمة) مملوء بالمياه وشبح الغرق يلاحق التلاميذ دائما.
كانت الحرب العراقية الإيرانية لا زالت قائمة واغلب معلمينا من النساء ما عدا مدير المدرسة الذي كنّا دائما نشعر ان المعلمات يتذمرن من التزامه ويخافن سطوته في نفس الوقت
كنّا جميعا نخاف منه ونخشاه وكان مهيوبا بحيث تفاجئت قبل سنين عند رؤيته اقصر مني فمخيلتي تصوره بقامة فارعة عظيم الوجه بعيد مابين المنكبين ولعل ذلك للهيبة والاحترام التي غرست ايّام الطفولة. لم يقتصر دوره في ضبط إيقاع المدرسة بل كان يحضر بشكل متكرر الى دوواين القرية التي تجله ايما إجلال ويحث الفلاحين بضرورة تشجيع ابناءهم وعدم السماح بالتسرب مطلقا ويحملهم مسؤولية ذلك.
قبيل نهاية الحرب سحبت مواليد المدير لخدمة الاحتياط واستبدل بآخر مختلف تماما من حيث الأداء والحرص، فأخذنا نلاحظ ظاهرة تأخر المعلمات للحضور بعد ان يدق الجرس وكذلك أصبحنا نندهش من زيارة المعلمات لبعضهن اثناء الحصة والحديث عن الطبخ ولف الدولمة (الأكلة الغريبة على ابناء القرى) وتراجع مستوانا بشكل ملفت واستمر هذا الحال لأشهر. لازلت اتذكر احد الايام حيث خرجت من الصف اركض ولَم اكن انظر امامي حتى تفاجئت بساق عظيمة ويدين تقتلعني من الارض وعيون جاحظة وصوت أجش يصرخ في وجهي ..(ليش درجاتك نازلة للثمانينات)؟!
لم يكن استاذ خضير الذي عاد للإدارة بعد خدمة الاحتياط بحاجة الى سماع إجابتي، لكني شعرت ان في عينيه لوم كبير وحرقة عظيمة على تراجع مستوى التلاميذ خصوصا امثالي حيث دائما ما كان يقول انك ستصبح طبيبا في المستقبل.
ذكرك الله بكل خير يا استاذ خضير العزيز
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha