المقالات

ثقافة التسلط والقوة لدى المكون السني.  


◾محمد صادق الهاشمي

 

 القضايا التي نروم إيضاحها باختصار عن كيفية نشأة التسلط والاقتدار هي:

1-  إنّها (المكوّنات السُنّية السياسية) في الغالب بدويّة الطباع والإنتماء القبلي، ومن الطبيعي أنْ نجد هذا الانتماء يؤثّر في فكرها وسلوكها السياسي، وحتى في سلوكها الاجتماعي؛ فالذي يراجع تاريخ العراق السياسي، ومجامع التاريخ، و(علم الاجتماع السياسي)، وما يتعرّض له الوردي في لمحات اجتماعية يجد أنَّ: المكوّنات السنية في القرن العشرين انتقلت من البداوة السياسية إلى التحضر المدني السياسي، ونقلت معها تجاربها البدوية من البطش، والغزو، ومنطق القوة، وغير ذلك من لوازم الحياة البدوية المبنية على القوة والاقتدارالى التجارب السياسية المدنية، ومارستها عملاً في تجربتها العملية خلال الحكم، وصارت جزءاً من تكوين العقلية السياسية والعملية لهذه المكوّنات السياسية والحكومية.

2- هناك من يذهب إلى أنّ سياسة القوة والتسلط  ولدت لدى المكوّن السني سياسياً؛ لأنّهم عبر قرون يمتلكون قوة الدولة والسلطة، والمال، خصوصا في القرن العشرين؛ لأنّها مرحلةٌ زمنيةٌ حكُمت من قبل السُنة العراقيين بكل وضوح حتى القوة الحزبية بيدهم، فهم أول من أسس الأحزاب في العراق، مثل جمعية العهد، وجمعية النادي الوطني، وجمعية البصرة الإصلاحية، وجمعية المشور والاتحاد والترقي، والحزب الحرّ، وحزب الحرية والائتلاف. مضافاً إلى أنّه خلال القرن العشرين نجد عدد الأحزاب السنية نسبة إلى الأحزاب الشيعية وغيرها هي الغالبة بنسبة 80%، والعشرون بالمائة مجموع الأحزاب الشيعية، والكردية، والتركمانية، وغيرها.

ثم إنّ الأحزاب السياسية الإسلامية بل الحركة الإسلامية الشيعية بكاملها انحسرت منذ عام 1923م بعد أنْ تمّ ترحيل المراجع الشيعة إلى إيران، ثم عودتهم عام 1924م واعطاؤهم تعّهدا بأنْ لايتدخلوا في الشوؤن السياسية، نعم، حصلت نكسة فكانت (النكسة السياسية) التي تولدت في الاجواء الشيعية بعد تسفير الأعلام الثلاثة على يدِّ القوميين(( العثمانيين))  السُنة بتحالف وتآمر من قبل البريطانيين والقوميين ، ليتسنّى للقوميين العرب، والعسكر، أنْ يرسموا خريطة سياسيةً سُنيةً قوميةً علمانية، يتمكنوا من خلالها  إدارة دولة العراق إدارةً تمتد إلى عقود من الزمن، ومنذ ذلك الحين إلى عقد الخمسينيات كان الخط الإسلامي تلاصقه سياسية الانزواء والانكفاء عن السياسة بنحو تام.

وكان هذا الانحسار السياسي الشيعي واضحاً في التاريخ المعاصر، ولم يَعُد إلى دوره إلّا على يدِّ  السيد محسن الحكيم، ثم الشهيد الصدر الأول، ثم نشأت بعض الأحزاب الإسلامية (( حزب الدعوة ))، وقد واجهتها السلطات بالقمع.

هذا العامل ـ عامل امتلاك الطبقة السياسية السنية  السلطة والدولة وثقافة التفرد والتمكن والتسلط ـ قد انعكس في ممارستهم العملية، ويكاد يكون السبب الأهم في ظهورات حركات التمرد باطار ديني (( القاعدة وداعش)).

3-  ويوجد سبب آخر (لنشوء ثقافة التسلط ) لديهم هو أنّ أغلب الحكام الذين حكموا العراق من السُنّة في القرن العشرين هم من العسكر، سواء في المرحلة الملكية، وهم كبارالضباط الذين تخرجوا في الجيش التركي، أمثال (نوري سعيد باشا، وبكر صدقي، وجعفر العسكري، وزكي رستم، وكامل شبيب، ورشيد عالي الكيلاني، وصلاح الدين الصبّاغ، وسعيد المدفعي، وفهمي سعيد ومحمود سلمان) وعشرات الضباط الذين صاروا نواةً لتأسيس الجيش العراقي بعد تشكيل الحكومة عام 1921, ثم استمر استيلاء العسكر على الحكومة في مرحلة الجمهورية، وتمثّل بعبد الكريم قاسم، وعبد السلام عارف، وعبد الرحمن عارف، وأحمد حسن البكر، وبعدها أتت مرحلة صدام حسين، فكانت بامتياز قد عملت على عسكرة الحياة الاجتماعية، ونشر القوة والقسوة ، وتربية أجيالٍ من الشعب العراقي على على هذه الثقافة ، فتولّد أثر ذلك ثقافة خاصّة لدى المكوّن السُني خلاصتها هي أنّهم يمتلكون القدرة؛ لأنّهم بيدهم السلطة، وأنّهم في مواقع عسكرية مهمّة، تحكمت بتاريخ العراق السياسي ومجتمعه عقوداً؛ فضلاً عن كون السلوك العسكري سلوكاً مبنياً على القوة والفرض. إذاً وجود َالقادة العسكر بوصفهم عنصراً في بناء دولة العراق وتأسيس حكوماته يعدُّ عاملاً لنشر ثقافة التسلط  لدى هذا المكوّن الاجتماعي العراقي.

4- من الاسباب المهمّة أيضاً لنشأة سياسة الفرض والقوة ؛ غياب الحياة الدستورية في العراق خلال القرن العشرين مما جعل الحكومات العلمانية المتعاقبة تفرض رأيها بالقوة والغلبة على وفق مبدأ «القوي يفرض رأيه على الضعيف» سياسياً، من هنا نشأت تربية (العنف ) وانتقلت تدريجياً إلى شرائح المجتمع العراقي وأضحت سياسة اجتماعية بل انتقلت حتى إلى الأسرة؛ ولأنّ السلطة كانت بيد الحكومات، وهي التي تحدد ثقافة المجتمع السياسية، فمن الطبيعي أنْ يكون المجتمع السُنّي أول المجتمعات تأثّراً بهذا المنهج التسلطي، وبطبيعة الحال يفرض رأيه من طريق القسوة، ويجد نفسه قادراً على فعل مايريد.

والجدير بالذكر: إنَّ مقولة غياب «الحياة الدستورية» التي ناقشناها قد تؤدّي الى أن يتبادر إلى ذهن البعضٍ أنَّ هذا الرأي غير سديد؛ لوجود دساتير في تاريخ العراق، وكمثال  (دستور عام 1925م، ودستور 1963م، ودستور 1958م، ودستور 1972).

والجواب: إنّ هذه الدساتير كانت مجرد حبرٍ على ورق، ولا تعني شيئاً في حياة المواطن والمجتمع العراقي؛ لأنّ السلطة تُدار بقوة  وتفرد ورأيٍ قسري بعيداً عن الرأي الدستوري، وخير دليل على ذلك أنّها (الدساتير) لم تكن تمنع وتصون الحياة السياسية العراقية من الانقلابات العسكرية. ويكفي أنْ العراق يعد أول بلدٍ حصلت فيه انقلابات عسكرية عام 1931م على يد بكر صدقي، ويكفي أنَّ كتب التاريخ المتعددة تذكر أنَّ ضحية كل انقلاب الآلاف من القتلى.

5-  وعامل آخر أدّى إلى نشأة ثقافة التسلط، هو عامل تاريخي ورثه المكوّن السني من التاريخ البعيد في سلوكه من خلال انتمائه إلى مدرسته الفقهية السياسية من بني أمية، وبني العباس، ومراحل أخرى لا تقلُّ خطورةً وقسوة، وهذه الثقافة تُعدّ عاملاً باعثاً نحو الثقافة التسلطية ذات بعد ديني والتي هي ثقافة تخلق استعداداً مائلاً نفسياً لممارسة السلطة لدى البعض ممن يحسب على هذا الخط التاريخي، وهذا ما وجدناه عملياً في الخطاب السني بعد 2003م سواء أكان السياسي أم الاعلامي . وجدير بالإشارة أنَّ أغلب المدارس الفقهية والكلامية السُنية تؤمن بمبدأ الطاعة ووجوبه للحاكم الجائر المتسلط على الحكم بالقوة والقهر. (الحكم بالغلبة).

6- الدور الإعلامي والثقافي والفكري: فإنّ أدنى مراجعة للتاريخ المعاصر، ولما صدر خلاله من كتبٍ ومؤلفات في مختلف المراحل، تدلّنا على أنّها مشحونةٌ بنشر ثقافة التفرد للمكوّن السُني تحت دعوى أنّهم الأحق مذهبيا، والأحق قومياً بالعراق، والأحق والأحق إلى آخر هذه الأحقيات التي عملوا على نشرها بوصفها ثقافةً اتسعت في أوساط الشعب العراقي، وقد نشرت وهي مشحونة بالغضب، ونشر الكراهية ضدّ المكوّنات الأخرى في العراق، ولاسيّما مذهب آل البيت (ع). ويكفي إنّنا نجد كتاباً كان يحمل عنوان (المدارس اليهودية والإيرانية) للدكتور فاضل البراك، كان يصف الشيعة في كتابه هذا بأنّهم يهود، وبقايا حركة عبد الله بن سبأ اليهودي، علماً بأنَّ نشر هذا الكتاب كان عام 1981م بمعنى أنَّ هذه الثقافة كان يروجها النظام الصدامي بشكل رسمي؛ لأنّ البراك كان مديراً للأمن العامة. وقبل هذا العهد انتشرت كتباً أخرى كانت تنشروتنتشر للسلفيين، ولأحمد بن حنبل، وابن تيمية، وعشرات الكرّاسات التي تقول بكفر الشيعة، وكان لهذه الحركة الاعلامية نتائج أبرزها أنّها نشرت ثقافةً قاسيةً ضدَّ الشيعة، وهناك العشرات من الكتب القومية استمدّت أفكارها من ساطع الحصري، مثل كتاب (البلاد العربية والدولة العثمانية) الذي طبع عام 1960م، وكانت مناهج الدراسة العراقية تشير إلى أنَّ ثاني مدينة بعد بغداد في التعداد السكاني هي الموصل، ثم البصرة، وينقطع الكلام عن المدن الأخرى، فتبدو المدن الأخرى وسكانها هملاً، وهذه الثقافة التي تبعث على تحقير المدن الشيعية، والمكوّنات الأخرى، وضعت في منهج الجغرافيا للمدارس الابتدائية، والمتوسطة، والثانوية، وكان ساطع الحصري هو الذي يشرف عليها، ويقرّها، وهو الذي أشرف على وضع أغلب المناهج الدراسية القومية التي ركزت سياسة التسلط لمكوّن على مكوّن آخر. هذه الثقافة التي عملت الأنظمة المتعاقبة عليها خلال القرن العشرين، ورُسّخت عبر وسائل الإعلام، وكل آليات الثقافة من إصداراتٍ، وجرائدَ، ومناهج تدريس أسست ثقافة  القهر  لدى مكوّن ما ضدّ المكوّن الآخر، فضلاً عن احتقار للمكوّنات الأخرى، وهذه الواسب الفكرية والسلوك الاجتماعي  لا يمكن زوالها بيسر.

7-  ومن الأسباب التي نشرت ثقافة القسوة والتسلط أنّ المكونات السنية بما أنّها حمكت زمنا طويلاً فإنّها امتلكت تبعاً للقدرة السياسية القدرة الاقتصادية، والمالية، والتجارية، والاراضي الزراعية والاستثمارية، والسيطرة على العلاقات الداخلية والخارجية، والسلاح، والجاه، والتعليم، ومن الأمثلة البارزة على ذلك أنَّ المدارس في العهد العثماني كانت تضع العراقيل في طريق دخول أبناء الطائفة الشيعية والكردية على حد سواء، ولهذا الجانب أساس سياسي، وتأصيل وتجذيرٌ بدءاً من زمن الحكم العثماني، فإنَّ الأتراك كانوا قد ركّزوا التجارة، والزراعة، والتعليم، وغير ذلك، بيد الطائفة السُنية، وقد سنّوا وشرّعوا عشرة «فرمانات» تمنع المكوّن الشيعي من العمل في عدد من الوظائف، منها: القضاء، والحكومة، والسلطة، والجيش، والتجارة، والزراعة، والصناعة، والتعليم الخ.

ربما فهمي هذا لحركة التاريخ والاجتماع السياسي يوجد من يرى عكسها او عدم دقتها فليقدم الدليل فان هذع قراءة وفق استقراء المعطيات وشواهد التاريخ .

وحتى يندمج الشعب العراقي تحت خيمة وطنية لابد من زوال الرواسب الفكرية والسلوكية ومخلفات العقد التاريخية

ـــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك