محمد علي السلطاني ||
ابتداء .. وقبل الخوض في تفاصيل العنوان، لا بد من الاشارة الى ان القوانين هي الوعاء الشرعي الذي يستوعب المتغيرات الاجتماعيه والاقتصادية والسياسية في كل دولة ، فمن خلال القانون تنظم تلك المتغيرات، وتكتسب الشرعية، والقابيلة للتطبيق، اذ من البديهي أن يعقب اي متغير سياسي، متغيرات اجتماعية واقتصاديه جديده، لابد من وجود وعاء قانوني لستيعابها وتنظيمها.
بناء على ذلك ، وبعيد سقوط النظام الدكتاتوي لصدام حسين في 2003، حدث تغيير سياسي جذري كبير في البلاد ، اعقبته سلسله من التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، فرضت واقعأ جديدا استوجب سن قوانين وتشريعات تنظم المتغيرات، وتضفي عليها الشرعية والمكنة في التطبيق، ومن بين تلك التشريعات الجديدة برز قانون العدالة الانتقالية..
اذن ماهي العدالة الانتقالية ..؟ وماهي اهميتها ..؟ و ماهي الأسباب الموجبة لتشريع هذا القانون في العراق ..؟
تعتبر العدالة الانتقالية بحسب تعريف المركز الدولي للعدالة الانتقالية هي "مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة، من اجل معالجة ماورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان، وتتضمن الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر، واشكال متنوعة من اصلاح المؤسسات "
من التعريف اعلاه، يتضح ان مفهوم العدالة الانتقالية، هي قوانين ذات صبغة دولية معترف بها في المجتمع الدولي، ومطبقة في البلدان التي حكمت بواسطة انظمة دموية دكتاتورية ، خلفت انتهاكات وجرائم بحق الانسانية جسيمة، ويتضمن التعريف ،انبثاق مؤسسات قضائية وغير قضائية ،ولجان لتحري الحقائق وكشفها، واخرى للتعويض واصلاح الضرر، ورد الاعتبار ماديأ كان او معنوي،وغير ذلك من برامج تكميلية تستهدف ذات الغرض .
وهنا يثور التسائل لماذا شرعت قوانين العدالة الانتقالية في العراق ؟
بعد الانقلاب البعثي المشؤوم في العام 1968، ولغاية سقوط النظام في 2003 ، حكم العراق خلال هذه الفترة اعتى سلطة دكتاتورية دموية عرفها التاريخ، مارست فيها الدولة، ارهاب الدولة، ضد مواطنيها الابرياء، من ابرزها ليس على سبيل الحصر، التهجير والتغييب القسري، حملات الاعدامات الجماعية بلا ذنب وبدون محاكمة، السجون والاعتقالات والتعذيب لاسباب طائفية أو مذهبية، دفن مئات الآلاف من الاحياء ،رجال ،نساء ، اطفال وشيبة في المقابر الجماعيه التي طالت ابناء الجنوب والوسط، هدم البيوت على رؤوس ساكنيها، حرق الاكواخ على اهلها، قصف وتهديم للمقدسات ،تغيير الطبيعة الجغرافية للاهوار، عبر تجفيفها ومالحق ذلك من أضرار جسيمة لسكانها ، اضافة الى كم لايحصى من الانتهاكات لحقوق الإنسان نال الشيعة منها النصيب الاوفر .
إذن نحن امام تاريخ دموي حافل بالجرائم والخروقات ،التي ارتكبتها الدولة ضد مواطنيها، بالتالي لابد للدولة من جبر الضرر، وتعويض وانصاف مواطنيها المتضررين، وان كانت خسائر الارواح لاتقدر بثمن . وهذا المفهوم انتهجة النظام العراقي الجديد بعد 2003، بواسطة قوانين العدالة الانتقالية، التي تهدف الى اعادة ثقة الفئات العراقية التي تضررت بوطنها، واجراء مصالحة حقيقية مع الدولة، عبر أنصافها، وتخليد هذه الانتهاكات والجرائم عبر توثيقها، وفضح مرتكبيها من الزمر البعثية أمام الرأي العام العالمي والمحلي، لاجل ترسيخها في الذاكرة الوطنية ولدى الاجيال، لتكون مصلأ توعويأ مضادأ يتصدى لعودة الدكتاتورية تحت اي عنوان ،
لذلك امست قوانين العدالة الانتقالية ،من ابرز قوانين عراق مابعد الدكتاتورية ،لما تم بيانه في نافلة الحديث اعلاه .
بالتالي ،ادركت وبوقت مبكر ، وسائل الاعلام ذات الاجندة البعثية، وسياسييها الساعين لعودة عقارب الساعة الى الوراء ، وبدعم لامحدود من اعداء العراق، ادركو اهمية الطعن، والتهريج بالكذب والبهتان على هذه الشرائح وعلى هذه القوانين، لأنها تشكل خطرأ دائمأ عليهم، كونها شاهد على مارتكبوه من انتهاكات لحقوق الإنسان يندى لها الجبين، لذا عملو وفق برامج إعلامية كبيرة، ومن منصات اعلامية يديرها ازلام النظام المقبور على استهداف هذه القوانين، مستغلين بعض الثغرات، او بعض الاخطاء والخروقات التي شابت عملية التطبيق ، شأنها شأن اغلب القوانين التي امتدت لها ايدي العابثين .
من ذلك يتضح ان الاستهداف الممنهج، لهذه الفئات من سجناء او مهجرين او ضحايا انفال او رفحاء او غيرهم، هو في الحقيقة استهداف للذاكرة الوطنية، بغية محو الارشيف الدموي للنظام المقبور واجهزته القمعيه، وهو استهداف ذو بعد ستراتيجي مقصود، سيما وانه يغض الطرف عن 551 الف من عناصر الاجهزه القمعية والجلادين وكبار البعثيين، الذين يتنعمون بأعلى المرتبات والتعويضات على ماقترفوه بحق العراق والعراقيين ..!
من هنا تبرز خطورة هذا التوجه، الذي يستبطن استهدافأ لتاريخ امة، بقصد محوه ،ولفئات اجتماعيه بعينها بقصد اهانتها ،وتكريس الظلم مجددا عليها .
ـــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha